صفحة جزء
فصل [في إجازة الحوالة مع الجهل بذمة المحال عليه]

وأجاز مالك الحوالة مع الجهل بذمة المحال عليه، وإن كان لا يدري أموسر هو أو معسر، وإذا كان المحال عليه موسرا ثم حدث عسر لم يرجع، فكذلك إذا كان متقدم العسر وهو عالم بعسره أو كان مشكوكا عنده فيه، وإن كان ظاهره اليسر والمحيل عالم بفقره كان للطالب أن يرجع على من أحاله . قال مالك: لأنه غره، ولم يجعل له رجوعا إذا لم يغره .

وأرى أن له أن يرجع؛ لأن ذلك عيب في الذمة، ومعلوم أن الطالب لو علم بعسره لم يقبل الحوالة، فالحوالة براءة للمحيل بشرطين أن يقول: أحيلك أو تحول بدينك، وأن تكون الحوالة على دين فإن فلس المحال عليه بعد ذلك أو مات أو غاب لم يرجع المحال إلا أن يشترط المحال أنه يرجع فإن فلس أو مات فله شرطه، وهو قول المغيرة في العتبية ، وإن قال: "المطلوب اقبض دينك من غريمي هذا" كانت وكالة وإن لم يقبض رجع.

قال ابن القاسم في العتبية: لأنه يقول: لم أحتل بشيء، وإنما أردت أن [ ص: 5662 ] أكفيك مؤنة التقاضي .

وقال في كتاب المكاتب في الشريكين في الدين فيحل نجم فيقول أحدهما: "بدني بهذا النجم وخذ أنت النجم الآخر" ثم يفلس الذي كان عليه الدين - أن له أن يرجع على صاحبه؛ لأنه سلف ولم يجعله حولا ؛ لأن قوله: "وخذ أنت النجم الآخر" وكالة على القبض، ولو قال: "بدني بهذا النجم وأحيلك على النجم" لم يرجع الآخر .

وإن كانت الحوالة على غير دين افترق الجواب إذا كان ذلك من المحال عليه على وجه الهبة والحمل والسلف، ثم فلس المحال عليه أو مات، ولا يختلف أنه يبدأ بالمحال عليه كان ذلك على وجه الهبة أو السلف أنه يرجع به بعد الأجل إذا كان موسرا، فإن فلس وكان ذلك على وجه الهبة كان فيها قولان، فقيل: هي بالحوالة عليها كالمقبوضة فيضرب مع الغرماء، وما عجز لم يرجع به، وقيل: ليست كالمقبوضة فلا يضرب مع الغرماء، ويرجع على من أحاله وهذا مع علم المحال أنه أحيل على غير دين، فإن لم يعلم كان له أن يرجع الآن ولا يطالبه؛ لأن ذلك عيب في الحوالة للاختلاف في سقوطها عند الفلس إلا أن يعلم أن الواهب وهو المحال عليه مأمون الذمة لا يخشى [ ص: 5663 ] فلسه، أو يرفع إلى حاكم فيحكم بالقول بوجوبها عند الفلس فيسقط العيب، وإن كان ذلك على وجه السلف، فلم يجد عنده شيئا رجع قولا واحدا.

قال مالك: إذا قال الرجل للطالب: حرق صحيفتك واطلبني، ففعل، ثم فلس القائل لذلك أو مات أن للطالب أن يرجع على غريمه، إنما هو رجل وعد رجلا أن يسلفه ويقضي عنه، فلا يثبت له على صاحبه شيء حتى يقضي عنه .

فإن كان المحيل موسرا كان لمن له عليه الدين أن يرجع عليه ولا يدخل فيه معه غرماء المحال عليه؛ لأن صاحبهم لم يصح منه سلف، وإن كان الأول معسرا، وأحب هذا أن يضرب مع غرماء الحال عليه، كان ذلك له على القول فيمن أحال على هبة؛ لأن هذا وهب منافع، وأحيل عليه فيها فإذا ضرب معهم ثم أيسر غريمه ببعض حقه رجعا جميعا، فيرجع غريمه بما بقي له ويضرب غرماء المحال عليه بما قضى عنه من مال غريمه.

فإن كان دين المحال مائة وصار له بالحصاص من المحال عليه خمسون، وطرأ للمحيل خمسون ضربا فيها بالسواء؛ لأن الذي قضى خمسون والباقي له خمسون، فيأخذ الغريم الأول منها خمسة وعشرين ويأخذ غرماء الذي أقرض خمسة وعشرين، ثم ينظر إلى ما كان يضرب به المحال فيجده خمسة وسبعين، فينوبه من الضرب الأول ثلاثة وأربعون إلا سبعا، والفاضل عنده سبعة وسبع [ ص: 5664 ] فتضاف إلى الخمسة وعشرين التي صارت لغريم المقرض، فجميع ذلك اثنان وثلاثون وسبع يقسمانها أسباعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية