صفحة جزء
فصل في الخلاف في سجود السهو في إيقاعه

اختلف في سجود السهو في ستة مواضع:

أحدها: هل يوقعه قبل السلام أو بعده؟

والثاني: هل يتشهد له إذا كان قبل؟

والثالث: هل يسلم منه إذا كان بعد؟

والرابع: إذا كان سهوان: زيادة ونقصان، هل يجزئه سجود واحد قبل السلام؟ أو يأتي بسجودين قبل وبعد؟

والخامس: إذا كان سهوه مع الإمام وقد سبقه بركعة ثم أتى بها فدخل عليه سهو آخر- هل يسقط حكم سهوه ويبقى على سهو الإمام، بمنزلة لو [ ص: 524 ] لم يسه، أو أتى بسجود لسهوه؟

والسادس: إذا لم يسجد حتى طال الأمر، وقد كان سجوده قبل السلام.

فقال مالك: يسجد للنقصان قبل السلام وللزيادة بعد. فيسجد للنقص لحديث ابن بحينة، والزيادة لحديث ذي اليدين.

وقال في المجموعة: ما كان الناس يحتاطون في سجود السهو لا قبل ولا بعد، كان ذلك كله عندهم سهلا.

وقال أشهب في كتاب محمد: إذا جعل سجدتي الزيادة قبل السلام أعاد الصلاة.

وقال ابن القاسم: يعيدهما بعد السلام.

وقال أصبغ: لا شيء عليه. قال: وهو قول مالك.

قلت: وهو قول ابن القاسم في المدونة: إن كان السجود لنقص فجعله بعد السلام أجزأته صلاته وسجوده. وقيل لمالك: يؤمنا قوم يرون خلاف ما ترى، فيجعل سجود النقص بعد السلام؟ فقال: اتبعوه فإن [ ص: 525 ] الخلاف شر.

وقال ابن القاسم فيمن جعل سجود الزيادة قبل السلام: أجزأه على قول مالك في الإمام يرى خلاف ما يرى من خلفه، فلم ير عليه شيئا في الوجهين جميعا إذا قدم سجود الزيادة أو أخر سجود النقص.

وقد روي عن علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وعمار بن ياسر، وأنس بن مالك، وابن عباس، وابن الزبير: أن السجود كله بعد. وهو قول الحسن البصري، والنخعي، وابن أبي ليلى، والثوري، والحسن بن صالح، وأصحاب الرأي.

وقال أبو هريرة، والزهري، وربيعة، والأوزاعي، والليث، والشافعي: السجود كله قبل.

وقال مالك: إذا اجتمع سهوان: زيادة ونقصان- سجد لهما قبل السلام.

وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: يأتي بسجودين للنقص قبل، وللزيادة بعد.

وأرى ذلك كله واسعا في الزيادة والنقص، يوقعه إن شاء قبل، وإن شاء بعد; لأن السجود ليس يجبر به شيء على الصحيح من المذهب، وإنما هو ترغيم للشيطان، وليأتي بقربة لموضع غفلته عن أن يكون قلبه فيما وجب عليه لله -عز وجل- من تلك القربة. وقد أبان ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي سعيد الخدري. [ ص: 526 ]

فقال : "...إن كانت صلاته إتماما كان ترغيما للشيطان".

ومن سها خلف إمامه ولم يسه الإمام- فالإمام يحمل ذلك عنه. وإن سها الإمام دون المأموم- سجدا جميعا الإمام والمأموم، فإن تقدم سهو الإمام ثم دخل هذا معه في بقية صلاته سجد لسهو إمامه، فإن كان سجود ذلك السهو قبل السلام سجد إذا سجد الإمام لسهوه، فإذا سلم الإمام قضى هو ما سبقه به.

وإن كان سهو الإمام يسجد له بعد السلام- لم يسجد المأموم إلا بعد قضائه لما سبقه به الإمام.

واختلف إذا دخل على المأموم فيما يقضي سهو آخر، فقال ابن القاسم وأشهب في كتاب محمد: إذا كان سجود الإمام قبل السلام سجد هذا لسهوه ثانية: إن كان قبل فقبل، وإن كان بعد فبعد.

قال محمد: وإن كان سهو الإمام بعد فدخل على المأموم سهو آخر، وكان السهو الثاني مما يسجد له قبل- سجد لهما قبل وأجزأتا عنه، وصار كأنه وجب عليه سهوان قبل وبعد، فإن كان السهو الثاني يسجد له بعد- فسجدتاه بعد السلام تجزيانه.

وقال عبد الملك بن الماجشون في كتاب ابن حبيب: إذا سجد مع الإمام [ ص: 527 ] سجود السهو قبل السلام، ثم دخل عليه سهو فيما يقضيه لنفسه- فلا يسجد له، كان له قبل أو بعد; لأنه لا يسجد لسهوين إن كانا في صلاة واحدة إلا مرة واحدة.

قال ابن حبيب: وإن كان سجود سهو الإمام بعد السلام فقام الرجل لقضاء ما عليه فسها فيما يقضي سهوا قبل السلام- والسجدتان اللتان وجبتا عليه لسهو الإمام تجمعان له السهوين جميعا.

قال الشيح: القول إذا سجد مع الإمام قبل السلام، ثم دخل عليه سهو آخر أن يسجد له - أحسن; لأن ذلك السجود كان تقربا وترغيما عن السهو الأول، والثاني لم يتقرب عنه بشيء، وإن كان سهو الإمام مما يسجد له بعد أن يجزئه سجود واحد; لأن السهو- وإن تكرر في الصلاة الواحدة- يجزئه عن جميعه سجود واحد.

ومن كان سهو إمامه قبل فلم يسجد مع الإمام وسجد بعد قضاء ما فاته به الإمام، وإن كان سجود الإمام بعد السلام فسجد معه قبل القضاء- أجزأه ذلك، ولم تفسد صلاته، ولم يعد السجود.

التالي السابق


الخدمات العلمية