صفحة جزء
باب فيمن أعار دابة ولم يسم الموضع الذي أعار إليه أو سماه وخالفه المستعير

ومن المدونة: قال ابن القاسم فيمن استعار دابة ليركبها حيث شاء ويحمل عليها ما شاء وهو بالفسطاط فركبها إلى الشام، قال: ينظر في ذلك فإن كان وجه عاريته إلى الموضع القريب مثل الذي يقول: أسرج لي دابتك لأركبها في حاجة فيقول له اركبها حيث شئت فمضى بها إلى الشام فهو ضامن .

وقال أشهب في مدونته: إذا قال: اركبها حيث شئت فمضى بها إلى الشام قال: إن كان ذلك من أسفاره فلا شيء عليه، وإن كانت أسفاره معروفة القرب فإنما أعاره على ما يعرف من أسفاره .

قال الشيخ -رحمه الله-: أما إذا كان شأن الناس التصرف في ذلك البلد ركبانا كان محمل عاريته على التصرف بها فيه حتى يقول: أسافر عليها وإن لم يكن ذلك شأنهم كان محمله على الخروج بها ولا يبعد إلا أن يكون ذلك عادة المستعير.

ومن استعار دابة إلى بلد ثم اختلفا فقال صاحبها إلى بلد كذا، وقال المستعير إلى غيره وذلك قبل الركوب كان القول قول المعير مع يمينه إذا كان [ ص: 6019 ] قد أوجب له تلك العارية، وسواء كان اختلافهما في ناحيتين أو اتفقا على الناحية وادعى المستعير زيادة مسافة ثم يكون المستعير بالخيار بين أن يركبها إلى ذلك الموضع الذي حلف عليه أو يترك، إلا أن يخشى منه أن يتعدى ويمضي بها حيث قال: فلا تسلم إليه إلا أن يتوثق منه لئلا يتعدى.

واختلف إذا كان اختلافهما بعد ركوبه فقال مالك: القول قول المستعير مع يمينه إذا أتى بما يشبه .

قال ابن القاسم في العتبية: وإن عثرت الدابة أو اعتلت، فالقول قوله . يريد في طرح الكراء إن سلمت وفي طرح قيمتها أو قيمة العيب إن هلكت أو حدث بها عيب.

وقال أشهب في مدونته: القول قول المستعير في طرح الضمان، والقول قول المعير في فضل الكراء إن كان فيه فضل عن الذي يقر به المعير . ويجري فيها قول ثالث أن القول قول المعير في الضمان وغيره قياسا على أحد القولين فيمن دفع دنانير ليشتري بها طعاما فاشترى له بها تمرا وقال الآمر قمحا أن القول قول الآمر ويغرمه تلك الدنانير فإذا لم يصدقه مع كونه أمينا لصاحب الدنانير وأنه لا يتهم فيخالف أن يشتري غير ما أمر به كان أحرى ألا يقبل قول المستعير مع كونه يجر إلى نفسه ووجه الأول أن المستعير مؤتمن لما [ ص: 6020 ] أسلمت إليه ليقبض منافعها فكان القول قوله مع يمينه أنه لم يخالف ما اؤتمن عليه وسواء كان الاختلاف في زيادة مسافة أو صعوبة طريق وهي سالمة أو هالكة، ووجه القول الآخر أن المعير واهب فلا يؤخذ بغير ما أقر به أنه وهبه فكان القول قول المعير مع يمينه ثم ينظر فإن كان اختلافهما في زيادة مسافة أخذ كراء تلك الزيادة، وإن كان في صعوبة طريق أخذ كراء جميع تلك الطريق وكان للمستعير أن يذهب بها إلى الطريق التي اعترف بها المعير، وإن هلكت من تلك الزيادة أو الصعوبة كان عليه قيمتها يوم خرج بها ويحط من القيمة قيمة المنافع التي اعترف بها المعير أنه أعارها وإن حدث عيب كان له الأكثر من قيمة العيب، أو كراء تعدي عليه فيه ويذهب بها إلى الطريق الأخرى فإن لم يكن فيها محمل إلى الطريق الأخرى حط العيب خاصة ولا يتبعه بفضل الكراء.

واختلف إذا كان بينهما واسطة فقال: فلان بعثني إليك لتعيره دابتك ذهب بها إلى برقة فعطبت في الطريق فقال صاحبها أعرتها إلى فلسطين وصدقه الرسول فقال ابن القاسم: المستعير ضامن ولا يكون الرسول شاهدا . وقال أشهب [ ص: 6021 ] في مدونته: القول قول المستعير مع يمينه وعليه الكراء ولا ضمان عليه . وهو أصوب; لأن صاحب الدابة لم يباشره بالقول فيكون قد ادعى عليه التحقيق بالتعدي وإن كان لا يقطع بكذبه لم يغرمه الرقبة بالشك، وكان القول قول المستعير مع يمينه أنه لم يقل له إلا إلى برقة وتسقط عنه قيمة الرقبة والقول قول صاحب الدابة مع يمينه أنه لم يعرها إلا إلى فلسطين ويأخذ كراء برقة وعلى الرسول أن يحلف لهما أن الباعث أمره إلى فلسطين فيبرأ فإن نكل غرم قيمة الدابة لربها؛ لأنه يتهمه أن يكون إنما أمره إلى برقة فتعدى وقال: إلى فلسطين ويرد صاحبها للراكب ما أخذ منه; لأنه لا يجتمع أخذ القيمة والكراء، ولأن نكوله لصاحب الدابة نكول عن دعوى الآمر أنه لم يأمره إلا إلى برقة لأن الراكب يقول للرسول لو اعترفت لي بالتعدي لغرمت القيمة ولا يكون لك علي شيء; لأنك مقر لي أني لم أتعد وإن صدق الرسول الآمر حلف لرب الدابة أنه لم يقل للرسول إلا إلى برقة فإن نكل حلف صاحب الدابة أنه لم يقل له: إلا إلى فلسطين وأغرمه قيمة الدابة ورد الكراء إلى الراكب، ويصح أن تكون المخالفة ولا يجب على المستعير شيء من الكراء ولا من العيب ولا من قيمة الرقبة إن هلكت وذلك أن يكون الموضعان سواء في البعد والصعوبة والأمن وكانت العارية على أن يمضي بها المستعير وحده ويردها أو يمضي صاحبها معها يحفظ دابته لا لحاجة له في البلد الذي أعار إليه وهذا لا يكون عليه مطالبة متى خالف وللمستعير أن يمضي الدابة إلى الموضع الآخر ابتداء وإن سخط المعير . [ ص: 6022 ]

وقال ابن القاسم في العتبية في الخادم أو الحر يأتي القوم فيستعيرهم حليا فيزعم أن أهله بعثوه أو تزعم أن أهلها بعثوها فيعيرونهما، فيهلك الحلي، ويجحد أهلهما أن يكونوا بعثوهما، وقد هلك المتاع قبل أن يخلص إليهم، قال: إن صدقهم الذين بعثوه فهم ضامنون، ولا شيء على الرسول، وإن جحدوا حلفوا ما بعثوه وحلف الرسول إذا كان حرا لقد بعثوه ولا شيء على واحد منهما؛ لأن الرسول صدقه الذين أعطوه، وإن أقر الرسول أنه تعدى وكان حرا ضمن، وإن كان عبدا كان في ذمته متى عتق وأفاد مالا ولم يكن في رقبته. ولو زعم الرسول أنه أوصل ذلك إلى الذين بعثوه لم يكن عليه شيء، ولا عليهم إلا اليمين .

وقال أشهب في العبد يأتي القوم فيقول: سيدي أرسلني إليكم في كذا، فيعطاه، ثم يزعم العبد أنه دفع ذلك إلى سيده وينكر السيد، قال: أراه فاجرا حلافا وذلك جناية في رقبته، قال ابن القاسم: إن أقر السيد غرم، وإن أنكر كان في رقبة العبد؛ لأنه خدع القوم . وقاله مالك في المبسوط: إذا كان الرسول حرا أنه ضامن وأرى إن كان الرسول معروفا بالصلاح والخير وسداد الحال أنه يحلف ويبرأ، وإن كان على غير ذلك والذين ادعى عليهم معروفون بالخير والصيانة أن يحلفوا ويغرم الرسول إذا كان الرسول من سببهم أو متصرفا لهم، وإن لم يكن كذلك، وإلا فلا يمين عليهم. [ ص: 6023 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية