صفحة جزء
باب في الرجوع عن الشهادة في الزنى والقتل والسرقة، وكيف إن وجد أحد البينة عبدا أو نصرانيا أو مولى عليه أو ولد زنا أو مسخوطا؟ وهل على الشاهد أن يخبر بجرحة من شهد معه أو أنه عبد وإن وجد المشهود عليه مجبوبا

وإذا شهد أربعة بالزنى ثم رجع جميعهم عن الشهادة ، فإنه لا يخلو رجوعهم أن يكون: قبل الحكم، أو بعد الحكم وقبل إقامة الحد، أو بعد الحد من رجم أو جلد أو قطع.

فإن رجعوا قبل الحكم- لم يحكم.

واختلف إذا رجعوا بعد الحكم وقبل إقامة الحد على ثلاثة أقوال:

فقال ابن القاسم في كتاب محمد: يقام الحد فيرجم إن كان محصنا ويغرمون الدية في أموالهم. وقال أيضا: لا يرجم لحرمة القتل وكذلك في كل ما كان مثله من القطع وفيه العقل .

واختلف فيه أيضا قول أشهب فقال: يرجم، وقال: لا يرجم، ويقام [ ص: 6186 ] عليه أدنى الحدين . يريد: أنه يضرب مائة، ويغرب عاما، ولا يقطع في سرقة ولا في قصاص، ويغرم العقل في القصاص.

وقال محمد: وإن كان غير محصن أقيم عليه الحد .

قال الشيخ - رضي الله عنه -: والقول أنه لا يرجم أحسن; لأن رجوعهم شبهة ولا يدرى هل صدقوا فيما رجعوا عنه أم لا؟ وكذلك أرى إذا كان غير محصن أنه يعاقب، ولا يقام عليه الحد ويدرأ عنه اسم الحد.

وإن رجعوا بعد الحد كان المقال مع البينة في الدية والقصاص، وإن أقروا بالعمد حدوا قولا واحدا، واختلف في الدية والقصاص.

وإن أقروا بالخطأ كان الخلاف في الحد والدية، فقال ابن القاسم في المدونة: إذا رجعت البينة بعد الرجم يضمنون ديته . ولم يفرق بين عمد ولا خطأ.

وقال في كتاب محمد: عليهم الدية في العمد، ولا شيء عليهم في الخطأ .

وقال أشهب: عليهم الدية في أموالهم في الخطأ والعمد . وقال في مدونته: إذا أقروا بالعمد حدوا ثم قتلوا. وفي كتاب ابن سحنون مثل ذلك أنهم يحدون ثم يقتلون ، وأما حدهم وعقوبتهم فقال ابن القاسم: يحدون إذا رجعوا ، ولم [ ص: 6187 ] يفرق بين عمد ولا خطأ.

وقال سحنون: إذا رجعت البينة وقد شهدوا بحق أو حد لله تعالى من زنى أو سرقة أو شرب خمر أو في حق للعباد من قصاص أو غيره- لا شيء عليهم ولا عقوبة، اتهموا في شهادتهم أو رجعوا عنها لشك خالطهم . لأنه يخاف إذا رجعوا وعوقبوا ألا يرجع أحد عن شهادة شهد فيها بباطل أو بشك إذا أراد التوبة. وقال بعض أصحابنا: لو عوقب المتهم لكان لذلك أهلا، وأما إذا أقروا بالزور فإنهم يحدون .

وقول أشهب في إثبات الدية في الخطأ أحسن; لأن الله عز وجل إنما أوجب الدية في الخطأ، ولا فرق في ذلك بين الشاهد وغيره، ولا تحملها العاقلة; لأنهم غير عدول، وإنما تحمل العاقلة الاعتراف، إذا كان المعترف عدلا ويقسم معه وقول سحنون في سقوط الحد صواب، وقد أبان الوجه في ذلك.

وأما العمد فالقول إنهم يقتلون به أشبه; لأنهم كالجابرين للإمام [ ص: 6188 ] بشهادتهم فلا فرق بين أن يلوا ذلك بأيديهم وبين ذلك .

ويختلف إذا كان بكرا، فضرب مائة وغرب عاما، ثم اعترفت البينة بالعمد، هل يقتص منهم، فيضرب كل واحد منهم خمسة وعشرين سوطا مكان الضرب، أم لا؟

فعلى القول أن في العمد القصاص -القتل- يضرب هؤلاء، قياسا على القول أن في السوط القصاص، ويزاد في عقوبتهم لمكان التغريب، إلا أن يكون رجوعهم قبل أن يغرب، ويضرب كل واحد منهم للقذف ثمانين; لأن للمقذوف حقين: حق من ناحية القذف، وحق من ناحية الضرب والقصاص .

التالي السابق


الخدمات العلمية