صفحة جزء
فصل [في الرجل قذف جماعة هل يحد لجميعهم حدا واحدا؟]

واختلف فيمن قذف جماعة هل يحد لجميعهم حدا واحدا أو يحد بعدد من قذف؟ فقال مالك في المدونة: إذا قذف ناسا شتى في مجالس، فضرب لأحدهم، ثم رفعه آخر بعد ذلك- كان ذلك الضرب لكل قذف كان قبله . وسواء كان عنده علم بالآخرين في حين حده لهذا أو لم يعلم.

وقال المغيرة وابن دينار: إن اجتمعوا فقاموا به حد لهم حدا واحدا، وإن افترقوا فلكل واحد منهم حد.

وذكر ابن شعبان قولا ثالثا: أنه يحد بعدد من رمى، وسواء كان القذف مفترقا أو في كلمة واحدة.

واحتج من نصر القول الأول بحديث الإفك في قذف عائشة - رضي الله عنها - وصفوان -وهم: حسان ومسطح، والذي تولى كبره منهم وهو عبد الله بن أبي ابن سلول- أنهم حدوا حدا واحدا.

وليس السؤالان واحدا; لأن القذف في حديث الإفك شيء واحد والكذب على عائشة - رضي الله عنها - كذب على صفوان، والكذب على صفوان كذب على عائشة - رضي الله عنها -. ولو قذف رجل رجلا بامرأة سماها، فطولب بالمخرج فعجز- لحد [ ص: 6295 ] حدا واحدا بغير خلاف; لأن عجزه عن الرجل عجز عن المرأة، فإذا حد لأحدهما ارتفعت المعرة عنه وعن الآخر. ولو اعترف بالكذب لأحدهما، كان اعترافا للآخر، وليس كذلك إذا قذف رجلا ولم يسم المرأة، أو قذف امرأة ولم يسم الرجل الذي رماها به; لأن عجزه عن أحدهما ليس عجزا عن الآخر، ولا حده له حدا للآخر.

وكذلك الجماعة إذا قذفهم، وحد لأحدهم، لا ترتفع المعرة عن الآخرين، ولا يقال: إنه حد بهم.

وأرى: أن يحد لكل واحد منهم حدا، وسواء كان قذفه إياهم معا أو مفترقا، وكان قيامهم معا أو مفترقا.

وقال فيمن قذف رجلا وشرب الخمر فجلد للخمر: إن ذلك لكل ما تقدم من قذف أو شرب خمر .

وهذا أبعد من الأول; لأن حده للخمر لا يرفع المعرة عن المقذوف، ولا يقال: إنه قد ضرب للمقذوف.

وقد يحمل هذا وما تقدم من قوله -إذا قذف جماعة أنه يحد حدا واحدا- على أحد قوليه: أن القذف حق لله عز وجل، فيكون بمنزلة من تكرر منه شرب الخمر أو زنى أن حدا واحدا يجزئ من ذلك، ولا يصح على القول أنه حق للمقذوف; لأنه لو قذف عشرة فحد ثمانين- كان الذي ضرب لكل واحد من العشرة ثمانية أسواط.

[ ص: 6296 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية