صفحة جزء
والصوم على ثلاثة أقسام:

فالأول: المتتابع كرمضان، وشهري الظهار، وقتل النفس، ومن نذر شهرا بعينه، أو نذر متابعة ما ليس بعينه.

والثاني: ما هو مخير في متابعته كرمضان في السفر، وقضاء من أفطره عن مرض، أو سفر، أو ما أشبه ذلك، وكفارة الأيمان، وإماطة الأذى، وجزاء الصيد.

والثالث: ما لا تصح متابعته; كصوم الاثنين والخميس، وما أشبه ذلك. فأما ما تجب متابعته فالنية في أوله لجميعه جازية.

وقال محمد بن عبد الحكم: وقد قال مالك: إن التبييت ليس على الناس في رمضان، قال: والناس مجمعون فيه على الصوم، قال: وقال مالك: لا صيام [ ص: 734 ] إلا لمن يبيت. قال: وقوله الذي هو موافق للسنة أحب إلينا، يريد: أن عليه مبايتة كل ليلة.

واختلف فيما لا تجب متابعته وفيما لا تصح المتابعة فيه على ثلاثة أقوال:

فقيل: النية في أول ذلك تجزئ، وقيل: لا تجزئ، وعليه أن يجدد النية كل ليلة، وقيل: تجزئ فيما يتابع دون غيره.

وما كان حكمه المتابعة- فانقطع ذلك لمرض أو سفر أو حيض، صار حكمه عند الرجوع إلى التلبس بالصوم حكم ما لا تصح متابعته- مختلف فيه: فقال مالك في المبسوط فيمن كان شأنه سرد الصوم لا يدعه: فإنه لا يحتاج للتبييت; لما قد أجمع عليه من ذلك، وقال في العتبية: لا يجزئ المسافر إلا التبييت في كل ليلة من رمضان، وقال غيره: لما كان له أن يفطر كان عليه أن يبيت في كل ليلة، وهذان قولان فيما كان متابعته بالخيار.

وقال ابن الجلاب فيمن أفطر في رمضان لمرض أو سفر أو حيض أو تعمد: وجب عليه تجديد النية.

وقال مالك في المختصر في ناذر يوم الخميس يصبح يظنه الأربعاء، قال: [ ص: 735 ] يمضي على صيامه، ويكفيه من نيته ما تقدم من إيجابه. وقال ابن القاسم: لا يجزئه.

وقال أشهب فيمن شأنه صوم يوم الخميس فيمر به وهو لا يعلم حتى يصبح، قال: إن كان ربما أفطره لم يجزئه إلا أن يقول: أصوم كل خميس إلا ما أبيت إفطاره. فلا يجزئه على أصل ابن القاسم بحال، والقياس أن تجزئ النية في كل صوم نوى متابعته وإن كان له ألا يتابعه، ولا فرق بينه وبين رمضان، ولا يجزئ فيما لا يتابع; لأن الأصل في النية أن تكون مقارنة للأعمال، وإلا كان عملا بغير نية، لا سيما ما كان يتخلل تلك الأعمال مما يضادها، فكان حمله في النية على ما كان في تلك الأيام والليالي من الفطر أولى من حمله على نية تقدمت في ليلة لصوم صامه قبل ذلك، ولا يوسع في ذلك بأكثر مما وردت به السنة، وهو تقدمتها من أول الليل، وهذا للضرورة; لأن الناس مضطرون إلى النوم، والغالب طلوع الفجر وهم نيام، إلا من كان له حزب، فلو كلف الناس النية عند طلوع الفجر، تكلفوا الامتناع من النوم; لئلا يدركهم الفجر وهم نيام، وفي هذا حرج، وذلك ساقط بقوله سبحانه: وما جعل عليكم في الدين من حرج [الحج: 78] وبقوله تعالى: يريد الله بكم اليسر [البقرة: 185]. ولو جاز أن يجتزئ [ ص: 736 ] من تقدم له نذر كل خميس بما تقدم له من النية من أول نذره وكان نذره من ستة أو عشرة عن هذا الخميس لأجزأت النية عن هذا الرمضان بالنية التي كانت من حين البلوغ; لأنه معتقد أن يصوم كل رمضان يأتي وهو حي، ومثله إذا أوجب صوم كل محرم أو رجب. [ ص: 737 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية