صفحة جزء
باب فيمن شك في الفجر، أو في طلوع الشمس أو في أول يوم من رمضان

اختلف فيمن شك في الفجر فأحب أن يأكل، بالمنع والكراهة والجواز، فقال في المدونة: يكره له ذلك، وقيل: هو ممنوع، وحملوا قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم، فإنه لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت" قال: والمعنى أي: قاربت الصبح.

وقال ابن حبيب: القياس والذي أختاره جواز ذلك، وأن يأكل إذا شك حتى يتبين; لقول الله -عز وجل- وقاله ابن عباس.

وأرى أن يكون الإمساك واجبا مع الغيم، ومستحبا مع الصحو; لأن السحاب ساتر لما خلفه، ويمكن أن يكون الفجر قد طلع فيكون قد أكل في زمن الإمساك، وليس كذلك في الصحو; لأن الفجر الأول والثاني عن شعاع الشمس، وهو في الأول ضعيف لبعد منزلة الشمس، فكلما دنت منزلة الشمس زاد الضياء حتى يصير إلى حالة لا يشك فيها; لقوته عن الأول وضعفه عن الثاني حتى يتمكن فيتبين؛ ولهذا قال ابن عباس: يأكل مع الشك كأنه يقول: هو شأن [ ص: 774 ] الفجر ثم يتبين، وإنما ورد المنع في القرآن بالتبين.

ثم لا يخلو من أكل وهو على شك لأجل الغيم من ثلاثة أحوال: إما أن يتبين له أن أكله كان قبل فيمضي صومه، أو بعد فيقضيه، أو لا يتبين له هل كان ذلك قبل أو بعد فيختلف فيه، هل يقضي واجبا أو استحسانا أو لا شيء عليه؟ فقال في المدونة: عليه القضاء، وقال أشهب في مدونته: يستظهر بالقضاء، وقال ابن حبيب: يستحب له القضاء.

ويجري فيها قول ثالث: أن لا شيء عليه، قياسا على من أيقن بالوضوء وشك في الحدث، فيجب القضاء; لأن الصوم في ذمته بيقين فلا يبرأ منه إلا بيقين أنه وفى به على وجه صحيح، ولا يجب لأنه على الأصل وهو الليل، وهو زمن أكل حتى يعلم أنه دخل في وقت محظور وهو النهار، ويستحسن لإمكان أن يكون ذلك بعد الفجر.

وقال مالك في المجموعة في رجل قال له رجل: تسحرت في الفجر، وقال له آخر: قبل، قال: يقضي ذلك اليوم، ومحمل المسألة على أنه لا علم عنده إلا ما اختلفا فيه، فعاد أمره إلى الشك، ولو كان عنده علم وأنه لم يطلع لم يكن عليه قضاء بقول آخر: إنه طلع. [ ص: 775 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية