صفحة جزء
باب في زكاة الحلي، والسيف المحلى، والخاتم، وما أشبه ذلك

لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في زكاة الحلي شيء.

وقال الترمذي محمد بن عيسى: لا يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب شيء، وثبت عن عائشة، وأسماء وجابر، أنهم كانوا لا يرون في حلي النساء إذا اتخذنه للباس زكاة. وروي ذلك عن أنس، وعمر وغيرهما وهو قول مالك.

والحلي في وجوب الزكاة وسقوطها إذا كان ملكا للرجل على تسعة وجوه: تجب في وجه، وتسقط في وجه، ويختلف في سبعة أوجه.

فتجب إذا اتخذه تجارة، وتسقط إذا اتخذه قنية لزوجته، أو أمته، أو ابنته، أو ما أشبه ذلك ممن يجوز لها استعماله.

واختلف إذا اتخذه ليتزوج به امرأة، أو أمة يحليها إياه إذا تزوج أو اشترى، أو لابنة له لتلبسه إذا كبرت، أو للإجارة، أو كنزا، أو ليبيعه [ ص: 869 ] ولا يتربص به غلاء، أو عدم النية، ولم ينو فيه قنية ولا غيرها.

فذكر محمد بن المواز عن مالك فيمن حبسه ليصدقه امرأة يتزوجها أن فيه الزكاة. وعن أشهب سقوطها. وذكر ابن حبيب فيمن حبسه لامرأة يتزوجها، أو أمة يشتريها، قال عن ابن القاسم: تجب الزكاة فيه. وعن أشهب وأصبغ: سقوطها.

والقول أن الزكاة واجبة في السؤالين جميعا أحسن; لأن الوجه الذي يوجب سقوط الزكاة لم يكن، وهو الآن كنز; وعلى هذا يجري الخلاف فيمن أمسك حليا لابنة له لتلبسه إذا كبرت فتجب الزكاة على قول مالك وابن القاسم، وتسقط على قول أشهب وأصبغ، وأن تجب أصوب، وقد تقدم وجه ذلك.

وذكر بعض البغداديين عن مالك فيمن اتخذه للإجارة روايتين: وجوب الزكاة، وسقوطها. وقال محمد بن مسلمة، وعبد الملك بن الماجشون: تجب فيه الزكاة. وهو أبين; لأن الصواب فيما اتخذ من الديار والعبيد للإجارة- أنه في معنى التجارة، وهو في الحلي أبين، ولأن الأصل وجوب الزكاة فيما يراد للتنمية، وسقوطها فيما لا يراد لذلك كالسكنى والاستخدام.

وأما ما أريد به الإجارة، فقد أريد به التنمية، ولا فرق بين أن يريد ذلك من أثمان الرقاب، أو من الغلات. [ ص: 870 ]

واختلف فيمن ورث حليا، وحبسه للبيع، أو لحاجة إن احتاج إليه في المستقبل. فقال ابن القاسم: تجب فيه الزكاة. وقال أشهب في مدونته: لا زكاة فيه.

يريد أنه إنما تجب الزكاة إذا حبسه ليرجو له حوالة الأسواق وغلاءها، فيكون تجارة، وإذا حبسه لبيعه ولا ينوي بحبسه غلاء الأسواق- فليس بتجارة; وعلى هذا لو ورثه ولم ينو فيه شيئا من هذه الوجوه; لا تجارة ولا قنية، لزكاه على مذهب ابن القاسم، ولم يزكه على مذهب أشهب.

فرأى ابن القاسم أنه كالعين، تجب فيه الزكاة ما لم تكن نيته القنية: وهي استعماله.

ورأى أشهب أنه كالعرض، لا زكاة فيه حتى ينوي به التجارة. وإلى هذا ذهب مالك في مختصر ما ليس في المختصر، فقال: فيمن ورث حليا ولم ينو به التجارة كان على حال القنية.

التالي السابق


الخدمات العلمية