صفحة جزء
باب في زكاة المدير في التجارة

ومن المدونة قال مالك فيمن كان يدير ماله في التجارة، مثل: البزازين، والحناطين، والزياتين، ومثل الذين يجهزون الأمتعة إلى البلدان: فليجعلوا لزكاتهم من السنة شهرا، فإذا جاء ذلك الشهر قوموا ما عندهم للتجارة فزكوه، وما في أيديهم من ناض، وما كان لهم من دين يرتجون قضاءه، فإن جاءهم العام الآخر ولم يقبضوه زكوه أيضا، قال ابن القاسم: ولو كان له عرض فبار عليه زكاه للسنة الثانية، والدين والعرض في هذا سواء.

وقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لحماس وقد كان يبيع الجلود فإذا باعها اشترى مثلها: "زك مالك. فقال: ما عندي شيء تجب فيه الزكاة. فقال له: قومه". فأمره بالتقويم; لأنه مع عدم التقويم على وجهين: إما أن يزكي على كل ما نض له، فيكون قد زكى ماله في العام الواحد مرارا، أو لا يزكي بحال لعدم اجتماع نصاب في مرة واحدة،............ [ ص: 895 ] أو لعدم معرفة الأحوال، فيكون قد أسقط فرضا، فكان التقويم عدلا بينه وبين الفقراء.

واختلف في الوقت الذي يجب فيه التقويم، وفي زكاة ديونه، وما بار من عروضه، وفيمن كان يبيع العرض بالعرض.

فأما الوقت الذي يقوم فيه; فاختلف فيه على ثلاثة أقوال: فقال مالك في المدونة: يجعلون لأنفسهم من السنة شهرا يقومون فيه.

وقال أشهب في كتاب محمد: إذا كان يبيع العرض بالعرض ، يريد: أن لا يجب عليه أن يقوم عند تمام الحول على أصل ذلك المال; لأنه حينئذ فيما في يديه على وجهين: إما أن تكون عروضا كلها; فلا زكاة في العروض، أو يكون بعضه ناضا دون نصاب; فلا زكاة في ذلك أيضا، فلا يؤمر بالتقويم حينئذ; لأنه على يقين أنه لم تجب عليه زكاة جميع ذلك، فجاز له أن يؤخر التقويم عن رأس الحول; لأن في إلزامه التقويم حينئذ ظلما عليه، ولا يؤخر لحول آخر; لأن في ذلك ظلما على المساكين، فأمره أن يجعل لنفسه شهرا يكون عدلا بينه وبين المساكين، وإن أتى رأس الحول وفي يده نصاب من العين زكاه خاصة; [ ص: 896 ] لأنه يقطع أنه لم يخاطب بزكاة أكثر منه، فإن نض له شيء بعد ذلك زكاه.

فإن اختلط عليه بعد ذلك جعل لنفسه شهرا، فقد يكثر ما ينض له بعد ذلك فيقرب شهره، أو يقل فيبعد، ثم يقوم جميع ما في يديه، وأسقط من ذلك قدر ما ينوب ما كان زكاه، إن نصفا فنصفا، وإن ثلثا فثلثا، وزكى الباقي. وإن مر عليه حول من يوم قوم، زكى عن جميع ذلك، وكان هو حوله أبدا.

وإلى هذا ذهب ابن نافع في شرح ابن مزين، قال فيمن كان يبيع العرض بالعرض: فإنه إن باع بعد ذلك بعين فإنه يحصيه، فإذا تم مائتي درهم، أو عشرين دينارا زكى ذلك، ثم يزكي كلما نض له شيء من قليل أو كثير، ولا تقويم عليه. يريد: إذا لم يختلط عليه ذلك وإلا قوم.

وقيل لأشهب في كتاب محمد فيمن كان يبيع العرض بالعرض ثم باع بعد سنين بخمسة دنانير: أيزكي؟ فقال: لا، أفي خمسة دنانير زكاة؟ فقيل له: إنه قد بقي عنده من عروضه. قال: لا قيمة عليه ولا زكاة ما لم يكن له شهر يزكي فيه.

فاتفقت هذه الأقاويل على أنه لا يجب التقويم في موضع يقطع أنه لم تجب عليه فيه زكاة، ولا يراعى ما كان من البيع بالعين في الحول الأول; لأنه لم يكن مخاطبا بزكاة، وإنما يراعى الاختلاط إذا تم الأول، ودخل في الثاني.

وكل هذا أيضا منهما مخالف لما قال ابن القاسم، وقال أشهب فيمن كان يبيع [ ص: 897 ] العرض بالعرض، ثم باع بدراهم، أنه يقوم إذا نض له دراهم.

وقال أشهب في شرح ابن مزين، فيمن كان يبيع العرض بالعرض: أنه لا تقويم عليه حتى يمضي له حول مستقبل من يوم باع بالعين; لأنه إنما صار من أهل الإدارة، ودخل في سنتها في الوقت الذي باع فيه بالعين، وهذا ضعيف، وهذا ظلم على الفقراء.

ومن أقام في يديه مال ناض ستة أشهر، ثم جلس به للإدارة; فإنه يبني على قول مالك على تلك الأشهر المتقدمة قبل أن يدير ماله، ويستأنف الحول على قول أشهب من يوم أخذ في الإدارة، والأول أحسن.

التالي السابق


الخدمات العلمية