صفحة جزء
فصل: من له ثلاثين دينارا ذهبا حال عليها الحول فاقتضى منها عشرة

ومن كان له دين ثلاثون دينارا حال عليها الحول، واقتضى منها عشرة، لم تكن عليه فيها زكاة، فإن اقتضى بعد ذلك عشرة أو العشرين الباقية; زكاهما جميعا، وكان حول الجميع يوم اقتضيت الثانية. وإن كان اقتضى في الأول عشرين فزكاها ثم اقتضى عشرة; زكاها أيضا، وكان حول الثانية يوم [ ص: 902 ] اقتضيت، ولم يجمعا، وهذا قول ابن القاسم.

وقد اختلف في الفصلين جميعا، فخالف أشهب إذا اقتضى عشرة، ثم عشرة أو عشرين، وزكى جميع ذلك، فقال: يعود حول العشرة الأولى يوم اقتضيت; لأنه عنده إنما منعه أن يزكيها يوم اقتضيت؛ خيفة ألا يقتضي غيرها.

وخالف محمد بن مسلمة إذا اقتضى عشرين ثم عشرة، قال: يعود حول الأولى يوم اقتضيت حول الثانية; لأنه لما زكى الأولى عادت إلى ما لا زكاة فيه، وتصير بمنزلة مال أفاده ذلك اليوم وهو دون نصاب، فيضمه إلى حول الثانية وهي العشرة، وبيان ذلك يأتي فيما بعد إن شاء الله.

وإن اقتضى عشرة، ثم عشرة، ثم عشرة، فعلى مذهب ابن القاسم: يكون حول الأولى يوم اقتضى الثانية، وحول الثانية يوم اقتضيت. وعلى مذهب أشهب: يكون حول كل واحد منها يوم اقتضيت. وعلى مذهب ابن مسلمة: يعود حول الجميع يوم اقتضيت الثانية، وكل هذا الاختلاف مع بقاء جميع ذلك المال في يديه، وكيف يزكي في المستقبل؟

وإن أنفق المقتضى من [ ص: 903 ] الدين كان الحكم فيه بمنزلة لو كان قائم العين لم ينفق، فإن اقتضى عشرة دنانير فأنفقها، ثم اقتضى عشرة- زكى العشرين.

وإن اقتضى عشرين فزكاها ثم أنفقها ثم اقتضى عشرة- زكاها أيضا، وهذا الحكم في الإنفاق.

ويفترق الجواب في الضياع، فإن اقتضى عشرين فزكاها ثم ضاعت ثم اقتضى عشرة- زكاها، وإن ضاعت العشرون قبل أن يزكيها، وبعد أن فرط في زكاتها- فكذلك يزكيها وما اقتضى بعدها، وإن ضاعت الأولى قبل أن يفرط في زكاتها- لم يكن عليه فيها زكاة، ولا فيما اقتضى بعدها إلا أن يكون في الاقتضاء الثاني نصاب.

واختلف إذا كان الاقتضاء الأول أقل من نصاب، مثل: أن يقتضي عشرة فضاعت، ثم اقتضى عشرة، فقال ابن القاسم وأشهب: يزكي العشرين جميعا. وقال محمد: لا زكاة عليه فيها.

قال الشيخ -رضي الله عنه-: والمسألة على وجهين: فإن كانت نيته حين اقتضى الأولى أن يضمها إلى ماله أو يتصرف بها، ولا يمنع نفسه منها حتى يقبض الثانية- كان الجواب على ما قاله ابن القاسم وأشهب أنه يضمن [ ص: 904 ] زكاتها، ويزكي الثانية.

وإن كانت نيته أن يوقفها ولا يتصرف فيها حتى يقبض الباقي- كان الجواب على ما قال محمد; لأن كل مال لم يفرط في زكاته حتى ضاع، لا يضمن زكاته.

وإن عدمت النية زكاهما جميعا، وحمل على الغالب من حال الناس أنهم على التصرف فيما يصل إليهم، ولا يوقفون ذلك لمكان الزكاة.

وقال أبو محمد عبد الوهاب: إذا اقتضى أقل من نصاب فأنفقه، ثم اقتضى بعد ذلك تمام نصاب- فإنه يزكي على الجميع على اختلاف بين أصحابنا في إنفاقه أو ضياعه أو بقائه، ثم يزكي بعد ذلك ما يقتضيه من قليل أو كثير. انتهى قوله.

قال الشيخ -رضي الله عنه-: المعروف من الاختلاف إنما هو في الضياع، وأما إنفاقه فلا أعرفه وقد كان بعض شيوخنا يقول ذلك، ويقول: القياس ألا يزكي ما تقدم إنفاقه قبل اقتضاء الثاني; لأنه أنفقه ولم يخاطب فيه بزكاة، ويرى أن ما قيل [ ص: 905 ] في ذلك من وجوب الزكاة فإنما هو مراعاة للخلاف، ولقول من يقول: إن الدين يزكى قبل قبضه، وأنه كان مخاطبا بزكاة ما أنفقه قبل القبض، وكذلك إذا أنفق عشرة حال عليها الحول، وعنده عرض حال عليه الحول ثم باعه; فإن القول بوجوب الزكاة في جميع ذلك; مراعاة للقول: إن الزكاة تجب في العروض قبل البيع.

ومحمل ما ذكر من الخلاف في بقاء ذلك فإنما هو على الأحوال، فعلى قول ابن القاسم: الحول فيهما يوم اقتضى الثاني. وعلى قول أشهب: يكون حول الأولى يوم اقتضيت، فلو اقتضى من دين حال عليه الحول دينارين، فاشترى بكل دينار سلعة، ثم باع كل واحدة منهما بعشرين دينارا، فإن كان اشترى بالثاني بعد أن باع ما اشتراه بالأول- زكى عن إحدى وعشرين، يزكي الأول بربحه، والثاني بغير ربحه; لأنه تجر في الأول قبل أن تجب فيه الزكاة فكان ربحه بمنزلته، وتجر في الثاني بعد أن وجبت فيه الزكاة; لأن في يده من الأول عشرين دينارا، فلم يكن ربحه بمنزلته إلا في العام الثاني، وإن اشترى بالثاني قبل أن يبيع الأول زكى الأربعين; لأنه تجر في الثاني قبل أن تجب فيه الزكاة، فكان ربحه بمنزلته. [ ص: 906 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية