صفحة جزء
فصل [في المؤلفة قلوبهم]

واختلف في المؤلفة قلوبهم على ثلاثة أقوال : فقيل : هو الكافر يؤلف بالعطاء ليدخل في الإسلام .

يريد : إذا كان مثله يرجى ذلك منه . وقيل : هو المسلم يكون حديث عهد بالإسلام ، يرى فيه من الضعف ما يخشى عليه ، فيعطى ليثبت في الإسلام .

وقيل : هو الرجل من عظماء المشركين يسلم ، فيعطى ليستألف بذلك غيره من قومه ممن لم يدخل في الإسلام . وكل هذا قريب بعضه من بعض ، ولا فرق بين أن يعطى كافر لينقذه الله به من النار ، أو المسلم خوفا أن يعود إلى الكفر ، أو ليدخل غيره في الإسلام ، فكل ذلك عائد إلى الإيمان للدخول فيه ، أو للثبات عليه .

وقد روي عن صفوان بن أمية أنه قال : "أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين [ ص: 973 ] وإنه لأبغض الخلق إلي ، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إلي" .

وهذا حجة للقول الأول ؛ لأنه لا يبغضه وهو مؤمن . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه ، خشية أن يكبه الله في النار" . وهذا حجة للقول الثاني .

وقد اختلف في سهم المؤلفة قلوبهم ، هل هو منسوخ أم لا ؟ فقال ابن شهاب في المدونة : لم ينسخ من الآية شيء . وهذا هو الصحيح ، وقد كان الأمر على العطاء لهم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وخلافة أبي بكر ، وصدرا من خلافة عمر ثم قال لأبي سفيان : قد أغنى الله عنك وعن ضربائك ، ولكنك في الفيء كأحدهم . فلا يقال فيما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمل به بعده : إنه منسوخ . وقال عمر بن عبد العزيز ، وابن شهاب ، وأبو محمد عبد الوهاب : إذا دعت الحاجة إلى ذلك في بعض الأوقات ؛ رد إليهم سهمهم . وهذا أحسن ؛ لأنه [ ص: 974 ] يرتجى من كافر الدخول في الإسلام بالعطاء ، ولا يقدر عليه بالسيف . ويخشى على الآخر الارتداد واللحوق بدار الحرب ، ويرجى أن يكون العطاء يصده عن ذلك ، فيعطى كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "خشية أن يكبه الله في النار" . ويرى من كافر بعد الأسر الأنفة والتجبر ، ويختار القتل على الدخول في الإسلام بالقهر ، والتهديد بالسيف ، ويرجى منه باللين ، والاستئلاف والعطاء الدخول في الإسلام ، فيعطى عند ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية