صفحة جزء
باب فيمن غاب عنه الساعي أعواما ، وقد زادت غنمه فيما بين ذلك أو نقصت

وإذا لم يأت السعاة لأخذ زكاة الماشية ، وعلم أنهم لا يأتون لفتنة عرضت أو لغير ذلك ، جاز عند مالك لأصحاب الماشية تأخيرها ، وإن أقامت أعواما حتى يأتوا لقبضها ، وقد تقدم ذلك وأن القياس أن تنفذ تلك الزكاة لمن سمى الله تعالى ، وجعل له فيها حقا ، قياسا على زكاة الحبوب والعين أنها تنفذ ولا يؤخر إخراجها لعدم المصدق ؛ ولأن الساعي وكيل عليها ليوصلها إلى الفقراء والمساكين ، وليس ذلك لحق له فيها وإنما هو واسطة لغيره ، فإذا عدم كان لمن له فيها حق أن يقوم بحقه ، ولا يمنع من حقه لعدم وكيله ، وعدم من يأخذها ليوصلها إليه .

وقد قال عبد الملك في كتاب محمد : إنه إذا أنفذها ، ثم أتى السعاة : إنها لا تجزئه ، وهذا ضعيف ، وقد اختلف إذا أخرجها قبل مجيء الساعي ولم يتخلف عنه ، ثم أتى وعلم أنه أخرجها ، هل تجزئه ؟ فهو إذا تخلف عنه أحرى أن تجزئه ، ولا خلاف فيمن لا سعاة لهم أنهم يقومون مقامهم فيها ، وينفذونها لأصحابها .

وإذا كانت لرجل أربعون شاة ، وتخلف عنه الساعي خمس سنين ثم أتاه وهي بحالها ، زكاها للعام الأول شاة ، ولا شيء عليه فيما بعد ذلك ، ولا خلاف [ ص: 1061 ] فيمن غاب عنه الساعي أنه يبتدئ بالعام الأول ، بخلاف من هرب بماشيته فارا من الزكاة ، فإنه قد اختلف فيه ، هل يبتدئ بأول عام فيزكيها شاة ، أو بآخر عام فيزكيها خمس شياه ؟ وإن كانت خمسا من الإبل كان فيها خمس شياه للأعوام الخمسة ؛ لأن زكاتها من غيرها ، فلم يتغير الفرض .

وإن كان فقيرا ولا يجد ما يزكي عنها إلا أن يبيع بعيرا منها ، فإنه يزكيها بخمس شياه . واختلف إذا كانت خمسا وعشرين من الإبل ، فقال ابن القاسم : فيها بنت مخاض عن العام الأول ، وست عشرة شاة عن الأربعة أعوام . وقال عبد الملك في المبسوط : إن لم يكن فيها بنت مخاض زكى عن خمسة أعوام خمس بنات مخاض ، وروي أنه إن كان فيها في العام الأول بنت مخاض وعزلها للمساكين ألا يكون عليه في الأعوام الأربعة إلا غنم ، ويكون فيها بنت مخاض إذا أتى الساعي وهي جذعة للمساكين وإن هلكت على المساكين ، فإن أبقى بنت المخاض لنفسه زكى عن خمس سنين خمس بنات مخاض ، فإن صار فيها بنت مخاض في الرابعة زكى أربع بنات مخاض ، وعن الخامسة أربع شياه ؛ إلا أن يكون أبقى بنت مخاض لنفسه . وكذلك إن كانت [ ص: 1062 ] خمس من الإبل ، وغاب عنه خمس سنين ، فالقياس أن يضمن الغنم وإن ضاعت الإبل ؛ لأن كل عام مضت زكاته في الذمة .

واختلف إذا باع غنمه قبل أن يأتيه الساعي ، فقال محمد : إذا تخلف الساعي خمس سنين وهي أربعون ، ثم باعها وهي أربعة وأربعون ، فإنه يزكي من الثمن إذا باع بأكثر من عشرين دينارا عن خمس سنين ، عن كل سنة ربع عشر الثمن . وإن كانت ثلاثا وأربعين زكى الثمن ربع عشره لأربع سنين ، وإن كانت اثنين وأربعين زكى عن ثلاث سنين ؛ إلا أن ينقص في ذلك كله من العشرين دينارا نصف دينار ، وقيل : يزكي الثمن لعام واحد .

وقال ابن القاسم في كتاب محمد : ولو أكلها لم تكن عليه زكاة . وقياس القول : أنه إذا أخرج زكاتها ولم يكن يتخلف الساعي أنها تجزئه ، أن تقول : عليه الزكاة لبعض السنين وإن أكلها .

التالي السابق


الخدمات العلمية