صفحة جزء
فصل [فيما يجب على من تمتع بالعمرة إلى الحج]

التمتع بالعمرة إلى الحج يوجب الهدي بأربعة شروط ، وهي : أن يأتي بالعمرة في أشهر الحج ، ثم يحج من عامه قبل أن يعود إلى بلده ، أو إلى ما هو في البعد مثل بلده ، وتكون العمرة مقدمة على الحج .

فإن كانت العمرة قبل أشهر الحج ثم حج من عامه ، أو كانت في أشهر الحج ولم يحج من عامه ذلك ، أو حج فيه بعد أن رجع إلى بلده أو إلى موضع هو في البعد مثل بلده ، أو لم يرجع وكانت العمرة بعد الحج في ذي الحجة من ذلك العام لم يكن متمتعا .

وفي كتاب محمد : إذا حل من العمرة ثم خرج إلى قدر مسافة بلده ، قال : إن كان ذلك إلى أفق غير الحجاز ، مثل الشام أو مصر أو العراق فذلك يجزئه ، ويسقط عنه الدم . [ ص: 1153 ]

ولا أعلم لهذا وجها ، وإذا رجع إلى مثل بلده فالحجاز وغيره سواء .

وقال محمد فيمن دخل مكة في أشهر الحج بعمرة ، وهو يريد سكناها ، ثم حج من عامه : أنه متمتع ، ولعله أن يبدو له ، فعليه الهدي .

والصواب في هذا أنه غير متمتع ؛ لأنه من ساكني الحرم ، ومحمله على نيته في الإقامة حتى يحدث نية السفر ، ولو أحدث نية السفر ، وألا يقيم لم يكن متمتعا ؛ لأن هذه نية حدثت بعد صحة النية الأولى .

وقال مالك فيمن له أهل بمكة وأهل ببعض الآفاق ، فقدم مكة معتمرا في أشهر الحج ، قال : هذا من مشتبهات الأمور ، والاحتياط في ذلك أعجب إلي .

وقال أشهب في كتاب محمد : إن كان يأتي أهله بمكة منتابا فعليه الهدي ، وإن كان سكناه بمكة ويأتي التي بغير مكة منتابا فلا هدي عليه .

وهذا صحيح ، ولم يتكلم مالك على مثل هذا ، وإنما جاوب فيمن يكثر المقام بالموضعين .

ومن أتى بعمرة في رمضان فأهل هلال شوال بعد طوافه وسعيه وقبل حلاقه- لم يكن متمتعا ، فإن كان بقي عليه شيء من السعي كان متمتعا ، وهو قول مالك . [ ص: 1154 ]

ويصح أن يقال : إذا لم يبق إلا الشوط والشوطان من السعي أن ليس بمتمتع ؛ لأن اليسير في حيز اللغو .

وقال فيمن قدم معتمرا ، وحل في غير أشهر الحج ، ثم أنشأ عمرة أخرى في أشهر الحج : إنه متمتع .

وفيمن قدم قارنا في غير أشهر الحج ، فطاف وسعى قبل أن يهل هلال شوال : إنه متمتع .

والقياس في هذا : أنه ليس بمتمتع ؛ لأن طوافه وسعيه للعمرة والحج ، وقد انقضت عمرته ، وإنما بقيت عليه أعمال الحج خاصة . ولا شركة للعمرة في شيء مما بقي عليه من الوقوف ورمي وطواف للإفاضة ، إلا الحلاق خاصة ، فإنه لهما ، فقد قال فيمن قدم مراهقا وهو قارن ، ورمى جمرة العقبة : إنه يحلق ، وإن لم يكن طاف .

وقال ابن الجهم : يؤخر الحلاق حتى يطوف ويسعى ؛ لأنه لم يطف للعمرة بعد ، ولم يبح له أن يحلق قبل أن يطوف للعمرة . فإذا طاف بعد الرمي وسعى حل له الحلاق والسعي . وهذا هو القياس ، فإذا منع هذا الحلاق لأن العمرة لم يأت [ ص: 1155 ] عملها بعد ، فكذلك إذا قدم الطواف والسعي قبل أن يهل شوال ؛ لأن العمرة قد انقضت ، ولم يبق إلا الحلاق ، فإن وطئ قبل الوقوف بعرفة فسد الحج وحده . وإن تمتع أهل مكة وأهل ذي طوى لم يكن عليهم دم .

قال إسماعيل القاضي : الأصل في هذا القصر ؛ لأنه لا يقصر حتى يجاوز ذي طوى .

وقد اختلف فيمن سواه ممن قربت داره ، كأهل منى وعرفة ومر الظهران ، فقال مالك : عليهم الدم .

وقال ابن حبيب : القرى المجاورة لمكة مثل مر ظهران وضجنان والنخلتان وعرفة والرجيع ، وما لا تقصر فيه الصلاة لا متعة لهم ، فأما ما بعد مما تقصر فيه الصلاة- عليهم هدي التمتع ، هكذا روى ابن عباس . قال : فهو مذهب مالك وأصحابه .

فرأى أن من كان على ما لا تقصر فيه الصلاة داخل في حاضر المسجد .

وقد اختلف في ذلك ، فقيل : من كان دون المواقيت إلى مكة . [ ص: 1156 ]

وقيل : من كان على ما لا تقصر فيه الصلاة مثل ما حكى ابن حبيب .

والقياس في أهل منى وعرفة : ألا هدي عليهم إن أحرموا بالحج من مكة قبل أن يرجعوا إلى أوطانهم ؛ لأن هؤلاء زادوا ولم ينقصوا ، وقد كان لهم أن يؤخروا الإحرام حتى يرجعوا إلى أوطانهم ، ولا يكون عليهم دم المتعة إن أحرموا بالحج .

التالي السابق


الخدمات العلمية