صفحة جزء
باب في حج العبد والمرأة والصبي والمجنون

تقدم القول في سقوط الحج عن العبد ، فقال مالك فيمن أتى مكة ومعه عبد أو جارية : فله أن يدخلهما بغير إحرام ، ويخرجهما إلى منى وعرفات غير محرمين . قال : وقد يريد بيع الجارية . وقال في كتاب محمد : أما العبد الذي له الهيئة فأحب إلي أن يدخله محرما ، وأما الصغير والعجمي والجارية يأتي بها للبيع فلا . وإن ناشدته الله أن يتركها تحرم ، فأستحب له أن يحرمها . واستحب أن يحرم العبد الذي له الهيئة ؛ لأن مثله يرغب في ذلك . ولا ضرر على السيد في ذلك ؛ لأن ذلك لا يعطل عليه شيئا من خدمته .

واختلف إذا أراد بيعه بعد أن أحرم ، فأجاز ذلك في المدونة . وقال سحنون : لا يجوز بيعه . وقال : متى يأخذه المشتري بعد الحج أو قبله ؟ قال : ألا ترى أن ابن القاسم يقول : إذا أجر عبده شهرا لم يجز بيعه .

قال الشيخ - رضي الله عنه - : وقد يفرق بين السؤالين ؛ لأن العبد المحرم منافعه لمشتريه ، وفي الإجارة منافعه قد بيعت ، فيحتسب من كان في الإحرام بهذا ، فإن كان المشتري محرما كان ذلك أخف وإن كان الموضع بعيدا ؛ لأنه خارج معه ، ومسافر به ، وإن كان غير محرم فذلك فاسد ، إلا أن يكون الموضع قريبا ، والأيام يسيرة . [ ص: 1167 ]

وإذا أذن السيد لعبده في الإحرام فأحرم لم يكن له أن يحله . وإن لم يحرم كان له عند مالك أن يمنعه الإحرام ، وليس بالبين ؛ لأن السيد قد أسقط حقه في ذلك ، وهو بمنزلة ما لو قال : أنت حر اليوم من هذا العمل . فإنه لا يستعمله فيه ، وهو في الحج أبين ؛ لما تعلق العبد في ذلك من طاعة الله تعالى وفكاك رقبته ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" فدخل في عموم هذا الحر والعبد ، والفرض والتطوع ، وإن أحرم بغير إذنه كان له أن يحله .

ويستحب للسيد ألا يحله إذا كان السيد محرما ، كما كان استحب له أن يأذن له في الأول قبل أن يحرم .

واختلف إذا أحله في وجوب القضاء إذا أذن له بعد ذلك في الحج ، أو عتق العبد ، فقال ابن القاسم : يقضي إذا أذن له . وقال أشهب وسحنون : لا قضاء عليه . وهو أبين ؛ لأن السيد قد رد إحرامه من أصله بحق تقدم العقد ، وليس بمنزلة الفوات ؛ لأن الفوت أمر طرأ على العقد بعد صحته ، ثم لا يخلو العبد في الإحرام الذي أحله منه السيد من أربعة أوجه : إما أن يكون تطوعا ، أو منذورا في حج لعام بعينه ، أو منذورا مضمونا ، أو نوى حجة الإسلام ، وهو يظن أن ذلك عليه . فإن كان تطوعا بغير نذر ، أو نذر حج ذلك العام لم يلزمه القضاء إن أذن له السيد ، أو أعتق في عام آخر . [ ص: 1168 ]

وإن أذن له ، أو أعتق في ذلك المقام الذي أحله منه ، وهو يدرك الحج ندب إلى الوفاء به ، وليس بواجب .

وإن كان منذورا أو مضمونا فأحرم ينوي قضاء ذلك النذر ثم رد السيد إحرامه- كان عليه القضاء متى أعتق ؛ لأن السيد إنما رد ذلك الإحرام ، ولم يرد النذر ولا العقد المتقدم قبل الإحرام .

واختلف هل للسيد أن يرد عقده للنذر ، فأجاز ذلك ابن القاسم ، ومنعه أشهب . وهو أحسن ؛ لأن ذلك العقد لا يضر السيد ما دام العبد في ملكه ، ولا يحط من الثمن إن باعه . وإن أحرم ينوي حجة الإسلام ، وظن أن ذلك عليه لم يكن عليه شيء ما دام في الرق ، وإن أذن له السيد . فإن أعتق أتى بحجة الإسلام فقط . وإذا أحرم العبد فأذن سيده ، ثم فاته الحج لمرض أو لخطأ العدد كان عليه القضاء ، وليس للسيد أن يمنعه من ذلك ، على القول أن القضاء على الفور . وعلى القول أن له التراخي يستحب ألا يخالف السيد إذا منعه السنة والسنتين .

واختلف إذا تعمد الفوات والفساد ، فقال أشهب في كتاب محمد : ليس على السيد أن يأذن له ، وذلك عليه إذا أعتق . وهو أصل مالك وابن القاسم . وقال أصبغ : عليه أن يأذن له . وقال ابن حبيب : إن لزمه صوم- لم يمنعه السيد وإن أضر به . وكذلك إذا نكح بإذنه ، وظاهر - لم يمنعه من الصوم ، وإن أضر به . وهو قول ابن وهب وابن الماجشون وابن شهاب ويحيى بن سعيد ، ورأوا أن القضاء على الفور . [ ص: 1169 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية