صفحة جزء
فصل [في منازل الحج وحدودها وخطبة الحج]

عرفة كلها منزل وموقف ، ما خلا بطن عرنة ؛ فإنها من الحرم وليست من عرفة ، والمزدلفة كلها منزل ما عدا بطن محسر ، فإنه ليس من المزدلفة ، ومنى كلها منزل ومنحر ما خلا ما خلف العقبة إلى مكة فإنه ليس من منى ، فلا ينحر فيه ، ولا يبيت فيه .

ويستحب أن ينزل الناس من عرفة بنمرة ؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - ، قال : "أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبة من شعر فتضرب له بنمرة ، فنزل بها" أخرجه مسلم . فإذا زالت الشمس اغتسل الناس ، وجمع بهم الإمام حينئذ الظهر والعصر . قال ابن حبيب : ولا ينبغي لأحد أن يترك الجمع مع الإمام . ويبتدئ الإمام الخطبة قبل الصلاة ويخطب خطبتين .

وخطب الحج ثلاث : الأولى يوم السابع بمكة ، والثانية يوم عرفة بعرفة ، والثالثة أول أيام الرمي ، وهو الحادي عشر .

قال ابن شهاب : كانت يوم النحر فأخرتها الأمراء للشغل . والأولى والثالثة خطبة واحدة بعد الصلاة ، والثانية خطبتان قبل الصلاة . ولا يجلس إلا في خطبة يوم عرفة ، وكل واحدة تتضمن ما يفعل من يوم يخطب إلى التي [ ص: 1206 ] تليها ، والأخيرة ما يفعل إلى انقضاء الحج . قال ابن حبيب : تفتتح الخطب الثلاث بالتكبير كالأعياد ، ويكبر في خلال كل خطبة . واختلف في وقت قطع التلبية ، فقال مالك مرة : يقطع إذا زالت الشمس وراح إلى الصلاة . وقال : إذا راح إلى الموقف . وقال في كتاب محمد : إذا وقف . وذكر أبو محمد عبد الوهاب في الإشراف : يلبي حتى يرمي جمرة العقبة .

وهذا أحسن ؛ للحديث : "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أردف أسامة - رضي الله عنه - من عرفة إلى المزدلفة ، وأردف الفضل - رضي الله عنه - من المزدلفة إلى منى ، فكلاهما قال : "لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة" . أخرجه البخاري ومسلم . ولأن التلبية إجابة إلى ما دعي إليه ، وقد اتفقوا على أنه لا يكتفي من ذلك بالتلبية عند ما يعقد الإحرام ثم يقطع . وإذا كان ذلك فينبغي أن يلبي حتى يتلبس بالفعل الذي دعي إليه .

ويوم النحر : يوم الحج الأكبر ، فيه الرمي والنحر والحلاق والإفاضة . ويقال : حتى يتلبس بالوقوف بعرفة ، كما قال محمد . وقال أشهب في كتاب محمد : إذا قطع التلبية بعرفة ؛ فليهلل وليكبر وليذكر الله . وقيل : يكثر الذكر والتهليل والتكبير والتحميد والتمجيد والتعظيم والدعاء والاستغفار والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - . ويفعل مثل ذلك إذا دفع من عرفة ، وفي مبيته [ ص: 1207 ] بمزدلفة ، وفي مقامه بمنى ، كما يفعل من رفع الصوت بالتلبية ؛ لقوله تعالى : فاذكروا الله عند المشعر الحرام [البقرة : 198] . وقوله تعالى : فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا [البقرة : 200] ، وقوله : واذكروا الله في أيام معدودات [البقرة : 203] . وفي "الموطأ" : "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - خرج أيام منى بعد ارتفاع النهار جدا ، فكبر وكبر الناس لتكبيره ، ثم خرج بعد ارتفاع النهار جدا ، فكبر وكبر الناس لتكبيره ، ثم خرج حين زاغت الشمس ، فكبر وكبر الناس لتكبيره ، حتى بلغ التكبير للبيت ، فعرف أن عمر خرج لرمي الجمار" .

التالي السابق


الخدمات العلمية