صفحة جزء
فصل [فيمن أفسد حجة الإسلام أو التي نذرها]

وإن أفسد حجة الإسلام ، أو حجة كان نذرها في الذمة أتى بحجة واحدة .

واختلف إذا أفسد القضاء ، فقال عبد الملك : عليه حجة واحدة . وهي الأولى : حجة الإسلام ، أو التي نذر . وقال ابن القاسم : يأتي بحجتين . إحداهما عن الأولى التي في الذمة ، والأخرى عن التي أفسد آخرا ، قال : وقد قاله فيمن أفطر يوما من رمضان ثم أفطر القضاء ؛ عليه يومان ، قال : والحج مثله .

وقال أصبغ : الصوم بخلاف الحج ؛ لأن الحج عمل ثان أفسده فعليه قضاؤه . قال وليس بالقوي ، ولا الواجب إلا القضاء عن الأول فقط . وقول عبد الملك [ ص: 1281 ] أحسن ؛ لأنه لم يختلف في السؤال الأول إذا أفسد حجة الإسلام أن ليس عليه سوى حجة الإسلام ، وأنه في ذلك بمنزلة من لم يتقدم له إفساد . فإذا جعل إحرامه في العام الثاني قضاء عن حجة الإسلام ، وسقط حكم التي أفسد ، ولم يخاطب عنها بشيء ، وكأنه لم يأت بالتي أفسد- كان حكم الثانية والثالثة حكم الأول ، وأن الخطاب إنما يتوجه عليه أن يأتي بالتي في الذمة خاصة ، كأنه لم يكن أفسد . ولو صح أن يكون عليه قضاء الفاسد وقضاء ما في الذمة ، لكان ذلك عليه في أول عام إذا أفسد ، فيقضي التي أفسد والتي في الذمة .

وقال ابن القاسم فيمن قرن ، وطاف أول ما دخل مكة وسعى ، ثم جامع : عليه أن يقضي الحج والعمرة . قال له سحنون : ولم لا يكون قد تمت عمرته حين طاف وسعى ؟ فقال : لأن ذلك الطواف والسعي للعمرة والحج .

ومعارضة سحنون صحيحة ، ولا ينبغي أن يكون عليه عن العمرة شيء ؛ لأنها تمت بفراغه من السعي ، فلم يبق إلا الحلاق ، منع منه بقاؤه على الحج ، وإنما أفسد بوطئه بعد ذلك الحج وحده ، ولم يغلب على العمرة . قال أيضا فيمن قرن ففاته الحج : يحل بعمرة ، ويقضي قارنا . والقياس أن يقضي الحج وحده ؛ لأن الفوات من الحج وحده ، ولم يغلب على العمرة ؛ لأن الوقت الذي ينحل فيه وقت لها ، وقد وفى بها .

وقال ابن القاسم فيمن أفسد وهو مفرد ، فقضى قارنا : لم يجزه . لأن حج القارن ليس تاما كتمام المفرد ، إلا بما أضاف إليه من الهدي . فإن أفسد وهو [ ص: 1282 ] قارن ؛ قضى قارنا ، وإن قضى الحج والعمرة مفردين ؛ لم يجزه .

وقال عبد الملك : إن كان مفردا ، فقضى قارنا ؛ أجزأه . وهو أحسن لوجهين : أحدهما : أن الهدي عنده يرفع الوصم ، ويصير تاما كتمام المفرد .

والثاني : أن من أتى بحجة الإسلام قارنا ؛ أجزأه .

فإن كان الفرض حجا بانفراده ، فتطوع بإضافة العمرة- أجزأه . ولا يقال له : إنه غير جائز ؛ لأنه اشترك بين فرض وتطوع . وإن كان ذلك فإنه لا يخلو أن تكون الحجة التي أفسد حجة الإسلام ، فلا يكون إفساده أوكد في الوجوب مما كان يجزئه أن يأتي به ابتداء أو تطوعا ، فلا يكون التطوع آكد . وكذلك ، إذا أفسد وهو قارن ، فأتى بالحج والعمرة مفردين يجزئانه ؛ لأنه أتى بأفضل مما أفسده لأنه أفسد طوافا واحدا وسعيا واحدا ، وأتى بطوافين وسعيين . والقارن يأتي بالهدي لإسقاط أحد العملين ، وإسقاط أحد السفرين ، فجمعها بدم . والمتمتع يأتي بدم لإسقاط أحد السفرين . وقد وفى هذا بالعملين من أتى بالعمرة من أشهر الحج . وإن أتى بها قبل أشهر الحج كان أبين ؛ لأنه أتى بعملين سلم فيهما من الهدي .

التالي السابق


الخدمات العلمية