صفحة جزء
فصل [فيما يحرم على المحرم التطيب به]

ولا يتطيب المحرم بطيب مؤنث كالكافور والمسك والزعفران ، فإن فعل افتدى . ويتعمد شمه ، فإن فعل فلا شيء عليه .

واختلف إذا مسه ولم يعلق بيده أو علق بيده ، أو شربه أو أكله في طعام . فقال مالك : إن مسه افتدى . قيل لابن القاسم : وإن لم يلصق بيده ؟ فقال : قال مالك : إن مسه افتدى .

وقال أبو محمد عبد الوهاب : إن مسه فعلق بيده ريحه ولم يتلف منه شيء ؛ لم تلزمه فدية . [ ص: 1295 ]

وقال أبو الحسن ابن القصار : إن تطيب أو لبس ثيابا ، ثم نزع اللباس وغسل الطيب بالحضرة ؛ فلا شيء عليه . والصواب ألا شيء في المس إذا لم يعلق باليد ، أو علق فغسله بالحضرة ، أو لم يغسله وكان يسيرا لا تظهر رائحته ليسارته ؛ لأن النهي إنما ورد في التطيب في قوله - صلى الله عليه وسلم - : "ولا تلبسوا شيئا مسه ورس ولا زعفران" . فهو مستهلك في الثوب ، إلا أن رائحته تشم على لابسه .

وقد قال مالك فيمن جعل ثوبه في تابوت فيه طيب ، فعلقت فيه رائحته فلبسه : افتدى . لأنه الوجه الذي ورد فيه النهي . وقال مالك فيمن أصابه خلوق الكعبة : يغسله ، ولا شيء عليه ، وله تركه إن كان يسيرا . فأباح ترك اليسير ؛ لأنه لا يشم منه كبير رائحة .

وإن أكل طعاما فيه طيب ، فإن كان مسته النار فلا شيء عليه ؛ لأن النار تذهب رائحته أو يبقى ما لا خطب له . واختلف إذا لم تمسه النار ، هل تكون عليه فدية أم لا ؟ وألا شيء عليه أحسن ؛ لأنه لا يكون بأكله متطيبا ، وهو بمنزلة من مسه ثم غسله بالحضرة ، فهذا مسه لملاقاته لفمه حين الأكل ، ثم ذهبت بالحضرة .

ويكره ما كان غير مؤنث كالرياحين والورد والياسمين ، ولا فدية فيه إن مسه أو شمه أو علق شيء به قال ابن القاسم : ولا بأس أن يتوضأ [ ص: 1296 ] بالحرض . وهو : الأشنان .

ولا بأس أن يعالج المريض الجراح وغيرها بدواء فيه طيب . قال مالك : ويفتدي . والمعروف في هذا الأصل في كل ما ألجئ إليه ولم يقصد الانتفاع به ألا فدية عليه ، كالذي يحمل زاده على رأسه ، ويجعل المنطقة لنفقته ، ويحمل السيف عند الخوف ، ولا شيء عليه ، وفي كلها الفدية عنده مع الاختيار ، فعلى قوله في الذي يعالج بما فيه طيب الفدية- تجب الفدية على حامل زاده ، وحامل السيف ، والمنطقة وإن لم يفعل ذلك اختيارا ، وعلى قوله ألا فدية على هؤلاء ؛ لا يكون على من يعالج بما فيه طيب فدية . وألا فدية على جميعهم أحسن ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من لم يجد النعلين فليلبس الخفين ، وليقطعهما أسفل من الكعبين" . وأباح أن يستر ظهور قدميه عند عدم النعلين ؛ لأنه لم يقصد الانتفاع بذلك ، وإنما قصده دفع الحفي . وهو لا يقدر على ذلك عند عدم النعلين إلا بما يستر ظهور القدمين ، ولو لبس الشمشكين اختيارا افتدى .

التالي السابق


الخدمات العلمية