صفحة جزء
والغسل يجب على الرجل بوجهين: بالوطء إذا غابت الحشفة وإن لم يكن إنزال، وبالإنزال وإن لم يكن وطء، في يقظة كان أو نوم، ويجب على المرأة بأربع: بمغيب الحشفة من الرجل وإن لم ينزل، وبالإنزال وإن لم يكن وطء، وبالحيض والنفاس .

واختلف في أربع مسائل:

أحدها: إذا وطئ ولم ينزل، فاغتسل فأنزل بعد ذلك.

والثاني: إذا لاعب أو قبل أو تذكر ولم ينزل، ثم أنزل بعد ذلك لغير لذة.

والثالث: إذا أنزل من إبردة أو ضرب أو لدغ عقرب.

والرابع: إذا أنزل عن حكة أو ماء سخن.

فاختلف في هؤلاء على أربعة أقوال: فقيل: يجب الغسل وقيل: لا غسل عليهم.

وقيل: يجب على من لامس أو لاعب; لأنه مني لم يغتسل منه، ويسقط عمن جامع.

قال محمد: لأنها جنابة قد اغتسل منها . بخلاف من تذكر ثم أنزل فإنه يغتسل لأنها جنابة لم يغتسل منها.

واختلف -بعد القول أن لا غسل في ذلك- في وجوب الوضوء، وفي إعادة الصلاة، فقال مالك في " المجموعة" في سماع ابن القاسم: ليس في ذلك إلا الوضوء ويعيد الصلاة. [ ص: 127 ]

وقال ابن القاسم عند محمد: إذا وطئ ولم ينزل فاغتسل ثم أنزل- أنه يتوضأ ولا غسل عليه . وقاله سحنون، ثم قال: يغتسل ثانية، قال: وقال بعض أصحابنا: يعيد الغسل والصلاة، وقال آخرون: يعيد الغسل ولا يعيد الصلاة .

وقال مالك في " المجموعة" فيمن لاعب فوجد اللذة ثم صلى ثم أنزل: يغتسل ويعيد الصلاة. وقاله ابن كنانة .

وقال ابن القاسم: لا يغتسل، وليس بالقوي. ثم قال: يغتسل.

وقال أصبغ عند محمد: يغتسل ويعيد الصلاة; لأنه لم ينزل إلا وقد خرج وصار إلى قناة الذكر وما والاها. وفي كتاب " التفريع" : الوضوء استحباب .

وقال ابن سحنون فيمن لدغ أو ضرب أسواطا فأنزل: لا غسل عليه.

قال: وإنما يكون الغسل في الماء الذي يخرج باللذة.

وذكر ابن شعبان في ذلك قولين، واختار الغسل .

قال: واختلف إذا كانت به حكة في بدنه فحكها، أو نزل في الماء السخن فأنزل، وليس هذا بحسن; لأنه عن لذة أنزل، وأما مع عدم اللذة فيحسن الخلاف. [ ص: 128 ]

فوجه القول بوجوب الغسل على جميع من تقدم ذكره حمل الآية على عمومها في قوله سبحانه: وإن كنتم جنبا فاطهروا [المائدة: 6] ، ووجه القول بسقوط الغسل حمل الآية على الإنزال المعتاد، والمعتاد مقارنة اللذة، وغير ذلك نادر، وليس الشأن نزول القرآن على ما يكون نادرا، ولم يلحقه بحكمه; لأنه أنقص رتبة، وأما تفرقة محمد بين من اغتسل ومن لم يغتسل فلا وجه لها; لأن المخالطة بانفرادها توجب الغسل، والإنزال بانفراده مع عدم الوطء يوجب الغسل، فاغتسل أولا للمخالطة ويغتسل الآن للإنزال.

وأرى إذا سقط الغسل ألا يسقط الوضوء، ويكون له حكم المذي، وإنما لم يوجب الوضوء عليه في القول الآخر; لأنه رآه بمنزلة المذي يخرج سلسا.

ومغيب الحشفة يوجب الغسل، وقد عبر عن ذلك بـ " التقاء الختانين" والمراد المقابلة، كقوله: التقى الرجلان والفارسان، وليس يصح اجتماعهما إلا عند الإصابة، وإذا تقابل الختانان جاوزت الحشفة موضع افتضاض المرأة، فإن غاب بعض الحشفة لم يجب الغسل.

والدبر والقبل في ذلك سواء يجب الغسل عليه وعليها، وهذا إذا كانا بالغين.

واختلف في غسلها إذا كانت غير بالغ والآخر بالغا، فقال محمد بن سحنون: تغتسل، وإن كانت صلت بغير غسل أعادت، قاله أشهب . وفي مختصر الوقار : لا غسل عليها. وهذا هو الأصل لأنها غير مخاطبة إلا بالبلوغ، والأول أحسن لتتعلم [ ص: 129 ] وجه ذلك، ولئلا تتهاون بمثل ذلك بعد البلوغ.

واختلف أيضا في غسلهما إذا كانت بالغة وهو غير بالغ، فأما الصبي فالخلاف فيه على ما تقدم فيها إذا كانت غير بالغة، وأما المرأة فقال في كتاب " العدة" من " المدونة" : لا غسل عليها من وطئه إلا أن تلتذ ; لأن التذاذ المرأة بعض إنزالها، وقال أصبغ ، عند ابن حبيب: تغتسل .

وهذا أيضا على وجه الاحتياط والحماية; لئلا تعتاد ترك الاغتسال.

التالي السابق


الخدمات العلمية