صفحة جزء
فصل في تسبب المحرم في القتل

واختلف إذا لم يقتله المحرم عمدا ولا خطأ ، ولكنه كان سببا لقتله ، هل عليه الجزاء ؟ وذلك في سبع مسائل :

إحداها : إذا ضرب فسطاطا ، فتعلق بأطنابه صيد ، فعطب .

والثاني : إذا فر الصيد لرؤيته ، فعطب .

والثالث : إذا نصب شركا لسبع أو حفر له بئرا ، فعطب فيه صيد .

والرابع : إذا دل على صيد حلالا أو حراما ، فقتله .

والخامس : إذا أعان حلالا أو ناوله سوطا أو رمحا ، فقتله .

والسادس : إذا أمر غلامه بإرسال صيد ، وظن أنه أمره بقتله .

والسابع : إذا قتله في يده حلال .

فقال ابن القاسم فيمن ضرب فسطاطه ، فتعلق به صيد ، فعطب : لا شيء عليه . وذكر ابن الجلاب عنه : أن عليه الجزاء . ولا وجه لهذا . وقال : إن رأى الصيد محرما ، ففزع منه ، ففر فانكسر من غير أن يفعل به شيئا : عليه [ ص: 1320 ] الجزاء . وقال أشهب : لا شيء عليه . وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب : لا شيء عليه ، إلا أن يكون من المحرم حركة يفر لها . يريد : على حركة الصيد ، وأما حركته لشغله فلا ، ولا تكون حرمة الصيد أعلى من حرمة آدمي .

ومثل هذا لا يتعلق بفعله عليه شيء لآدمي إن عطب ، وكذلك الصيد لا جزاء عليه . وقال ابن القاسم فيمن نصب شركا للذئب أو للسباع مخافة على غنمه أو نفسه ، فعطب فيه صيد : عليه الجزاء ؛ لأن مالكا قال فيمن حفر في منزله بئرا لسارق أو عمل شيئا يتلف به السارق ، فوقع فيه غيره : ضمن ديته . وقال أشهب : إن كان موضعا يخاف على الصيد منه ؛ فعليه الجزاء ، وإلا فلا .

وهذا أحسن : ألا شيء عليه إذا كان موضعا لا يخاف على الصيد منه . وإن كان يخاف عليه ، ونصب ليدفع الذئب أو السبع عن غنمه ، أو يدفع السبع عن نفسه ، ويقدر على صرفه بغير ذلك : عليه الجزاء . وإن كان لا يقدر على صرفه إلا بذلك ؛ كان عليه الجزاء على أصل مالك فيمن اضطر إلى الصيد : أنه يأكل الميتة ، فإذا لم يبح ذلك له في صيانة نفسه ؛ لم يجز في صيانة المال .

وأرى أن يمنع إن خشي تلف الشاة والشاتين ، وإن كان يخشى تلف الشيء الكثير ؛ جاز أن ينصب لتغليب أحد الضررين . وقال مالك : إن دل [ ص: 1321 ] المحرم حلالا أو حراما على صيد ، فقتله المدلول ؛ فليستغفر الله الذي دله ، ولا شيء عليه .

وقال في كتاب محمد : إن دل حراما أو حلالا ، وأعانه بأن ناوله سوطا أو عصا أو قوسا ؛ فهو آثم ، لا جزاء عليه . وقال عبد الملك لا شيء على الدال وإن كان محرما ودل حلالا أو حراما .

وقال أشهب : إن دل حراما فقتله ؛ فعلى كل واحد جزاء . وإن دل حلالا فقتل ؛ فليستغفر الله ، ولا شيء عليه ، وكذلك إن ناوله سوطا .

وذكر ابن شعبان عن ابن وهب : إن دل محرم حلالا ؛ فداه أحب إلي . وقال أشهب : يفديه . وهو قول الليث وعطاء . قال ابن وهب : وهو قول ابن عباس - رضي الله عنه - .

وقال مالك فيمن أمر غلامه أن يرسل صيدا كان في يده ، فظن أنه قال : اذبحه ، فذبحه : على سيده الجزاء . وعلى العبد إن كان محرما الجزاء ، ولا يضع عنه خطؤه الجزاء . قال : ولو أطاعه فذبحه ؛ كان عليهما الجزاء .

والقياس : ألا شيء على السيد ، كان العبد حلالا أو حراما ؛ لأن الخطأ من العبد ، وليس من السيد ، قال الله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى [الأنعام : 164] . فإن أمره فذبحه كان على السيد جزاؤه ؛ لأن العبد مع سيده في معنى المكره . وإن لم يكرهه ؛ وعلى العبد جزاء آخر إن كان حراما . وقال في المحرم بيده صيد ، فأمسكه لمن قتله : عليه الجزاء . وعلى القاتل إن كان حراما جزاء آخر . وإن كان حلالا فلا [ ص: 1322 ] شيء عليه . وإن لم يمسكه له وإنما أمسكه ليرسله ، فإن كان القاتل حراما كان الجزاء على القاتل وحده . وإن كان حلالا كان على الممسك الجزاء .

والقياس : ألا شيء عليه ؛ لأن القتل من غيره ؛ لأنه لم يتعد إذا كان أمسكه ليرسله . وإن لم يرد إرساله كان عليه الجزاء ؛ لأنه كان متعديا في إمساكه . وإن نازعه فيه محرم ، فمات بينهما ؛ كان على كل واحد منهما جزاء . وإن نازعه حلال ؛ كان على من كان بيده الجزاء ؛ لأنه كان متعديا في منازعته له ، وقد كان عليه أن يمكنه منه فيرسله .

وقال أشهب في كتاب محمد : إن كان قتله في يده حلال في الحرم ؛ كان على كل واحد الجزاء ، ويغرم الحلال قيمته للمحرم ، وإن كان في الحل غرم له قيمته ، والجزاء على المحرم وحده . قال محمد : على القاتل القيمة ما لم يكن أكثر من الجزاء ، فلا يلزمه إلا الجزاء ؛ لأن المحرم يقول كنت أقدر على السلامة بإطلاقه ، فعليك ما أدخلت علي بقتله . وليس هذا قول أشهب ، وقد تقدم قول أشهب في العتبية : أنه إن ذبحه بعد ما حل وأكله فلا شيء عليه . وإنما احتج أشهب في هذا لقول بعض أهل العلم : أن له أن يمسكه الآن ، وبعد أن يحل . وإن كان إنما يتبعه لأجل ما أدخله فيه ؛ لم يرجع إلا بالجزاء قل أو كثر . وقد ذهب مالك وابن القاسم في هذا السؤال وفي غيره ، في الجماعة تجتمع على قتل صيد : أن على كل واحد منهم الجزاء كاملا . قياسا على الكفارة في قتل الخطأ إذا قتل جماعة رجلا : أن على كل [ ص: 1323 ] واحد الكفارة كاملة .

وقال بعض أهل العلم : على جميعهم جزاء واحد ؛ لأن كفارة هذا ديته فأشبه الدية في قتل الخطأ .

التالي السابق


الخدمات العلمية