صفحة جزء
باب فيمن يجوز قتله ، أو يمنع في حين القتال أو بعده

ويقتل في حين القتال كل من نصب للقتال من الرجال ، وإنما يفترق الأمر فيهم بعد الأسر والغنيمة .

وأما الصبيان فإن كان قتالهم بالسلاح وبما يضر ، ولم يقدر على أسرهم ؛ فيقاتلوا ليقتلوا .

وإن كان قتالهم بغير سلاح كالرمي بالحجارة وما أشبه ذلك ، ولم يكن لفعلهم ذلك نكاية ؛ فيعرض عنهم لغيرهم ، أو يقاتلوا قتالا يكفهم ، ولا يؤدي إلى قتلهم .

وأما من كان من الرجال ولم ينصب لقتال كالفلاحين وما أشبههم يؤخذون في أعمالهم ، والشيخ الكبير والزمن ؛ فأرى أن يؤسروا ولا يقتلوا ؛ لأن قتلهم مختلف فيه ، فيؤخر أمرهم ؛ حتى يرى الإمام فيهم رأيه .

ولا يعرض للرهبان في الصوامع والديارات خارج المدينة بقتل ولا بأسر .

والأسارى خمسة :

أحدها : الرجال المقاتلة .

والثاني : الأجراء والحراثون .

والثالث : الشيخ الكبير .

والرابع : النساء والصبيان .

والخامس : الزمنى ؛ كالأعمى والمريض والأعرج والمقعد والمجنون . [ ص: 1351 ]

فأما الرجال المقاتلة ؛ فالإمام مخير فيهم بين خمسة أوجه : القتل والجزية والاسترقاق والمن والفداء ، وكل هذا التخيير فموكول إلى اجتهاد الإمام .

فأما من كانت منه نكاية ، وكان قد قتل في المسلمين ؛ فأرى أن تشفى صدور المؤمنين بقتله ، وإن كان استحياؤهم واسترقاقهم غير محرم .

وكذلك إن كان لا تؤمن غائلته إن استحيي ، وأن يفر إلى موضعه ، أو يصير عينا على المسلمين ؛ فقتله أحسن .

ومن لم تتقدم له نكاية ، وأمنت غائلته ؛ فاسترقاقه أو الجزية فيه أحسن ، والقتل غير محرم .

وأما المن ؛ فيحسن في كل من يرجى برده صلاح ، أو كسر شوكة ، أو ما أشبه ذلك .

وأما الفداء ؛ فيحسن بمن لا يعرف بالشجاعة ، وقد اختلف فيه .

وإذا أسقط الإمام عن الأسير القتل ، وأبقاه ليرى فيه رأيه في أحط الوجوه الأربعة مما سوى القتل ؛ لم يجز أن يقتله بعد ذلك .

وإن من عليه ؛ لم يجز له أن يحبسه عن الذهاب إلى بلده ، إلا أن يكون قد اشترط عليه أن يبقى لتضرب عليه الجزية .

فإن أبقاه للجزية ؛ لم يجز له أن يسترقه ، ويجوز أن يفادي به برضاه .

وإن أبقاه على وجه الاسترقاق ؛ جاز أن ينتقل معه إلى الجزية والمن والفداء ، وإن أبقاه للفداءة لم يجز نقله للجزية ولا للرق إلا برضاه .

والتخيير في الخمسة الأوجه يصح في أهل الكتاب ، ويختلف في المشركين . [ ص: 1352 ]

فمن أجاز أخذ الجزية منهم ؛ كان مخيرا فيهم حسب ما تقدم في أهل الكتاب . ومن منع أخذ الجزية منهم يكون مخيرا في ثلاثة أوجه ؛ المن والفداء والقتل . واختلف في الاسترقاق . فقال ابن القاسم : يسترق العرب جملة . ولم يفرق بين كتابي ولا غيره .

وقول ابن وهب : إنهم لا يسترقون .

وهو أقيس ، وإنما يسترق ويبقى على الكفر من كان يصح بقاؤه على ذلك مع الجزية .

التالي السابق


الخدمات العلمية