صفحة جزء
فصل [في الخلاف في قتل الرهبان]

والرهبان على وجهين ؛ فمن بان بنفسه في الصوامع والديارات ؛ لم يعرض له بقتل ولا بأسر ولا باسترقاق .

قال مالك في كتاب محمد : ولا ينزل من صومعته . لأنه لا يقاتل ، ولا يكاد يستشار .

واختلف في أموالهم ، فقال مالك في المدونة : يترك لهم ما يعيشون به . ولا تؤخذ أموالهم كلها ، فلا يجدون ما يعيشون به ، فيموتون .

وقال محمد : أما ما لا يشبه أن يكون للرهبان ؛ فلا يترك ، ولا يصدق الراهب في مثل هذا . قال مالك : ويترك له مثل البقرتين والغنيمات ، وما مثله يكفيه ، والمبقلة والنخيلات ، ويؤخذ ما بقي ويحرق . وأما ما يشبه أن يكون [ ص: 1356 ] له ؛ فيصدق فيه ، ويترك له .

وهذا أحسن ، أن يترك له كل ما علم أنه ملك له ، وإن عظم وكثر . فأما ما لا يعلم ؛ فلا يترك له ؛ لأن أهل دينه يولجون عنده ، والغالب في الراهب التقلل ، فإذا لم يعرض له في نفس ؛ لم يعرض له في مال .

وقال مالك في العتبية في أموال الرهبان وعبيدهم وزروعهم : إن علم أن ذلك لهم فلا يمس منه شيئا .

واختلف في النساء يترهبن ، فقال أشهب في مدونته عن مالك : النساء أحق ألا يهيجن .

وقال سحنون ؛ يسبين بخلاف الرجال .

وأما من لم يبن بنفسه عن جملة أهل الكفر ؛ فيستباح بالأسر والقتل والاسترقاق ، ويؤخذ ماله . وقال ابن حبيب في رهبان الكنائس : يجوز قتلهم وسبيهم لأنهم لم يعتزلوا .

وهو ظاهر قول مالك في المدونة ، في قوله : إن فيهم تدبيرا للأمر ، والاجتهاد له ، والحب فيه ، والبغض عليه ؛ فهو أنكى ممن يعمل بيديه . يريد : فيمن لم يبن [ ص: 1357 ] بنفسه عنهم .

وعلى هذا حمل ابن مزين قول أبي بكر - رضي الله عنه - في الذين فحصوا عن رءوسهم ، قال : هم الشمامسة الذين لم يعتزلوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية