صفحة جزء
باب في الحربي يقدم بأمان ومعه مال لمسلم ، [أو معه مسلم] حر أو عبد ، والحربي يسلم على مال المسلم ، أو على مسلم حر أو عبد ، وفي عبد الحربي يسلم بأرض الحرب ثم يسلم سيده ، أو يخرج إلينا وهو مسلم أو كافر فيسلم ، أو يبقى على دينه

وإذا قدم الحربي بلاد المسلمين ومعه مال لمسلم ؛ لم يعرض له فيه ما دام في يديه وكذلك ، إن أراد الرجوع به لم يمنع .

واختلف إذا قدم بمسلمين -أحرار أو عبيد - على ثلاثة أقوال :

فقيل : له أن يرجع بهم إن أحب .

وقيل : ليس ذلك له .

وقيل : ذلك له في الذكران دون الإناث .

وقال ابن القاسم في كتاب محمد : لا يمنع من الرجوع بهم وإن كن إماء لم يمنع من وطئهن ، وقال عبد الملك : يعطى في كل مسلم أوفر قيمته ، وينتزع منه ، وقال ابن حبيب : يباع عليه عبيده إذا أسلموا ، كما يفعل بالذمي ، ثم لا [ ص: 1384 ] يكون ذلك نقضا للعهد .

وحكى سحنون عن ابن القاسم أنه قال : يجبر على بيع المسلمات .

يريد : بخلاف الذكران . وقاله ابن القصار ، قال : إذا عقد الإمام للمشركين وهادنهم على من جاءه مسلما رده إليهم ؛ يوفى لهم بذلك في الرجال ، ولا يوفى لهم به في النساء .

فأمضى ذلك لهم ابن القاسم في القول الأول ؛ لحديث مسور - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاضى أهل مكة عام الحديبية على أن من أتاه من أهل مكة مسلما ؛ رده إليهم . اجتمع عليه البخاري ومسلم .

ولم يمض ذلك في القول الآخر ؛ لأن ذلك كان في أول الإسلام ، وقبل أن يكثر المسلمون ، وقد وعدهم الله -عز وجل- بالنصر وإظهار دينه وبفتح مكة وظهوره عليهم ، فكان كما وعد الله -عز وجل- ، فلا يجوز ذلك اليوم بعد ظهور الإسلام ، ولأن فيه وهنا على المسلمين ، وإذلالا لهم .

وفرق في القول الآخر بين الرجال والنساء ؛ لقوله سبحانه : إذا جاءكم [ ص: 1385 ] المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار [الممتحنة : 10] .

واختلف إذا قدم بمتاع لمسلم ، فقال ابن القاسم في المدونة : لا أحب لمسلم أن يشتريه منه ، فإن اشتراه لم يكن لصاحبه أن يأخذه بالثمن . وإن وهبه لأحد ؛ لم يأخذه سيده على حال .

وأجاز ذلك محمد ، وقال : إنه إن لم يشتره ؛ رده العلج إلى بلده . فالشراء أفضل ، يجده صاحبه فيفتديه ، ويكون أحق به .

وقال إسماعيل القاضي : لم يحك ابن القاسم هذه المسألة عن مالك ، والذي يشبه على مذهب مالك : أن له أن يأخذه بالثمن الذي اشتراه به ، وفي الهبة يأخذه بغير ثمن .

وهذا أحسن ، ولا فرق بين أن يشتريه منه وهو بأرض الحرب أو وهو بأرض الإسلام ؛ لأنه لم يكن يقدر على أخذه منه وهو بأرض الحرب . وقد قال ابن القاسم في المدونة فيمن اشترى أمة من العدو : لا أحب له أن يطأها ؛ في بلاد الحرب اشتراها في بلد الحرب ، أو بلاد المسلمين .

وهذا نحو ما قاله محمد وإسماعيل . [ ص: 1386 ]

فإن أسلم عندنا كان بمنزلة ما لو أسلم في أرض الحرب ؛ له ما أسلم عليه من أموال المسلمين .

فإن كان في يديه عبد مسلم- أقر في يديه . وإن أسلم على حر أو حرة انتزعا منه بغير قيمة ، وإن أسلم على ذمي كان له رقيقا . وهذا قول ابن القاسم ، وقال أشهب : هو حر ، ولا يسترق .

والأول أحسن ؛ لأن الذمة عقد له علينا ، ولا عقد له على من كان بأرض الحرب .

وإن أسلم على أم ولد ؛ انتزعت من يده بقيمتها ، أو على معتق إلى أجل كان له خدمته ، فإذا انقضى الأجل ؛ كان حرا ، أو على مكاتب ؛ كانت له كتابته ، فإن أداه كان حرا ، وإن عجز ؛ كانت له رقبته . أو على مدبر ؛ فله خدمته ، فإن مات السيد والثلث يحمله ؛ كان عتيقا ، وإن كان على السيد دين يستغرقه ؛ كان رقيقا لمن أسلم عليه .

وإن لم يكن له مال سواه ؛ أعتق ثلثه ، وكان له ثلثاه .

وقال ابن القاسم : إن أسلم عبد الحربي ؛ لم يسقط ملك سيده عنه ، فإن أسلم سيده بعده ؛ كان له رقيقا ، وإن أعتقه ؛ كان له ولاؤه ، وإن باعه ؛ كان ملكا للمشتري . [ ص: 1387 ]

وقال أشهب : هو حر بنفس إسلامه ، فإن أسلم سيده بعده ؛ لم يكن له فيه شيء . وإن أعتقه ؛ لم يكن له ولاؤه . وإن اشتراه منه مسلم ؛ كان كالفداء ، يتبعه بما اشتراه به .

وقد اشترى أبو بكر الصديق من المشركين بلالا ، بعدما أسلم وأعتقه ، وذكر البخاري عن عمر : أنه كان يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا ، يعني : بلالا .

وقال بلال لأبي بكر : إن كنت اشتريتني لنفسك فأمسكني ، وإن كنت اشتريتني لله -عز وجل- فدعني وعمل الله .

ولا خلاف أنه إن فر إلينا بعد إسلامه وقبل إسلام سيده وقبل أن يعتقه ؛ أنه حر ؛ لأنه غنم نفسه . وإن أسلم سيده بعد ذلك ، وخرج إلينا ، لم يكن له عليه سبيل .

فإن نزل المسلمون بموضعه ، فخرج إليهم قبل الفتح ؛ كان حرا ، ولا سبيل لأهل الجيش عليه .

واختلف إذا لم يخرج حتى وقع الفتح ودخل المسلمون عليهم ، فقال ابن القاسم : هو حر .

وقال ابن حبيب : هو رقيق لذلك الجيش . [ ص: 1388 ]

وهو أقيس على أصل ابن القاسم ؛ لأنه ملك لسيده حين دخل عليه ، وإنما يكون حرا إذا خرج إلينا ؛ لأنه غنم نفسه .

وإذا أسلم عبد لحربي ، ثم فر إلى أرض الإسلام بمال لسيده ؛ كان له ، إن كان في يده لتجارة أو كان خراجه ترك في يديه ، أو سرقه لسيده ، ولا يخمس ؛ لأنه مما لم يوجف عليه .

وإن كان في يده على وجه الأمانة ؛ استحب له أن يرده إلى سيده ، ولم يعرض له فيه إن أمسكه .

وكذلك إن فر إلى أرض الإسلام وهو كافر ثم أسلم . فإن بقي على كفره وأراد المقام ، وتضرب عليه الجزية ؛ كان ذلك له ، ولم يرد إلى سيده .

وإن أسلم بعد الجزية كان حرا ، وسقطت الجزية عنه . [ ص: 1389 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية