صفحة جزء
باب في قسم الفيء والخمس والغنائم وفيمن تصرف

[ ص: 1403 ] ومن المدونة قال مالك : الفيء والخمس سواء ، يجعلان في بيت المال ، ويعطي الإمام منه أقارب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا علم لي بجزية الأرض ، إلا أن عمر - رضي الله عنه - قد أقرها ، ولم يقسمها بين الذين افتتحوها ، ويسأل أهل العلم كيف كان الأمر فيها ، فإن وجد عالما يفتيه ، وإلا اجتهد في ذلك .

قال ابن القاسم : وأما الجماجم في خراجهم ؛ فلم يبلغني عن مالك فيهم شيء . وأرى أن يكونوا تبعا للأرض ، وإن كانوا عنوة أو صلحا .

فأجاز مالك أن يعطى من الخمس والفيء لأقرباء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنه حلال للأغنياء ، ويوقف منه في بيت المال بخلاف الزكاة .

وتكلم في الأرض على ما فتحه عمر - رضي الله عنه - من أرض العراق وغيرها ، ولم [ ص: 1404 ] يشك أنها لم تقسم ، وإنما جهل ما جعل عليها ، فيكشف عنه ، فإن لم يجد عالما ؛ استأنف النظر فيما يجعل عليها .

وإلى هذا ذهب ابن القاسم في جزية الجماجم ، يكشف عنها هل الذي جعل على الأرض والجماجم شيء واحد ، أو على كل شيء بانفراده ، فإن لم يعلم ما جعل عليها ؛ كانوا تبعا للأرض .

يريد : تبعا في الاجتهاد ، هل يجعل ذلك جملة أم لا ؟

والأموال التي تؤخذ من أهل الكفر على ثمانية أوجه :

صلح ، وعنوة ، وما انجلى عنه أهله ولم يوجف عليه ، وجزية الجماجم ، وخراج الأرض ، وعشور أهل الذمة إذا تجروا إلى غير بلادهم ، وما أخذ من الحربيين إذا نزلوا بأمان ، والركاز .

وجميع هذه الأموال ، يجوز أن تصرف فيما تصرف فيه الزكاة . ويجوز أن تصرف فيمن لا تحل له الزكاة ، فيعطى منها الأغنياء وأقرباء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأن أخذهم ليس على وجه الصدقة ، ويوقف منها في بيت المال إذا رأى الإمام ذلك .

وهي في ترتيب صرفها على وجوه : فيصرف كل مال في البلدة التي جبي منها إذا كان فيها ما يوجب صرفه فيه ، أو من يستحق منه شيئا ، ولا ينقل إلى غيره ، أن يكون لذلك وجه . [ ص: 1405 ]

فأما جزية جماجم أهل الذمة الذين بين أظهرنا ، وما أخذ من عشور أهل الذمة ، وأهل الحرب القادمين علينا ؛ فيبتدأ منه بسد مخاوف أهل ذلك البلد الذي جبي منه ، وإصلاح حصون سواحله ، ويشتري منه السلاح والكراع إذا كانت بهم حاجة إلى ذلك ، ويعطي غزاة ذلك البلد وعماله وفقهاءه وقضاته ، فإن فضل شيء أعطى الفقراء منه .

إنما يبدأ بمن تقدم على من يستحق الزكاة ؛ لأن أولئك لا تحل لهم الزكاة ، فكانوا أحق بالارتفاق بما لهم الأخذ منه ، وينتفع الآخرون بما جعل لهم مما لا يجوز لأولئك ، فإن فضل شيء أعطي الفقراء ، فإن فضل عنهم شيء وقف عدة لما ينوب المسلمين .

وإن كان في بيت المال اتساع ؛ فلا بأس أن يعطى للأغنياء ، وإن كان ذلك المال من أرض صلح ؛ لم يصرف في إصلاح ذلك البلد ؛ لأنه ملك لأهل الكفر .

وإن كان بين أظهرهم مسلمون فقراء ؛ أعطوا منه ، ثم ينقل إلى البلد الذي كان عنده الخوف حتى وقع الصلح . وكذلك ما جلا أهله عنه يبتدأ بالبلد [ ص: 1406 ] الذي كان الخوف عنه ؛ حتى جلوا .

وما جبي عن بلاد العنوة يبتدأ فيه بإصلاح البلد الذي جبي منه ، وسد مخاوفه ؛ لأنه للمسلمين .

فإن فضل شيء نقل إلى البلد الذي خرج منه الجيش الذي افتتحه .

التالي السابق


الخدمات العلمية