صفحة جزء
باب فيمن حلف بالمشي إلى مكة

ومن المدونة قال مالك فيمن قال: علي المشي إلى بيت الله إن كلمت فلانا، فكلمه: إن عليه أن يمشي إلى مكة، ويجعلها إن شاء حجة وإن شاء عمرة، فإن جعلها عمرة; مشى حتى يسعى بين الصفا والمروة، فإن ركب بعد السعي وقبل الحلاق; لم يكن عليه شيء، فإن جعلها في حجة مشى حتى يطوف طواف الإفاضة، وله أن يرجع إلى منى راكبا، وإن أخر طواف الإفاضة حتى يرجع من منى; لم يركب في رمي الجمار. ولا بأس أن يركب في حوائجه. قال ابن القاسم : وأنا لا أرى بأسا .

يريد: أنه يركب في مضيه لرمي الجمار، وإن لم يكن أفاض. وقال ابن حبيب : يمشي في رمي الجمار، وإن كان قد أفاض.

قال الشيخ - رضي الله عنه - فيمن قال: علي المشي إلى مكة فإنه لا يخلو من ثلاثة أوجه:

أحدها: أن ينوي حجا أو عمرة أو طوافا أو سعيا بانفراده أو صلاة فريضة أو نفلا.

والثاني: أن ينوي الوصول ويعود، لا أكثر من ذلك.

والثالث: ألا تكون له نية; فإن نوى حجا أو عمرة أو طوافا لزمه الوفاء به، وأن يمشي لذلك، وأن يدخل محرما إذا نوى حجا أو عمرة. [ ص: 1638 ]

ويختلف إذا نوى طوافا بانفراده، فعلى القول إنه يجوز له دخول مكة حلالا; يدخل هذا مكة حلالا، فيطوف ويجزئه. وعلى القول ألا يدخل مكة إلا محرما; يدخل هذا بعمرة، ويجزئه عن نذره.

ويختلف إذا نذر سعيا بانفراده، هل يسقط نذره، أو يأتي بعمرة وقد تقدم ذلك. وإن نذر صلاة فريضة أو نافلة، أتى مكة ووفى بنذره، وهذا قول مالك . وقد ذهب بعض أهل العلم أنه لا يأتي للنفل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة" . فدخل في عموم الحديث مسجده والمسجد الحرام وغيرهما من المساجد.

وإن نوى الوصول خاصة، وهو يرى أن في ذلك فضيلة أو قربة; لم يكن عليه شيء.

وإن كان عالما أنه لا قربة فيه; كان نذره معصية فيستحب له أن يأتي بذلك المشي في عمرة أو حجة أو طواف; ليكفر بها ذلك النذر.

وإن لم تكن له نية، وكان من أهل المدينة; مشى في حج أو عمرة; لأن تلك عادة لهم، وقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - للعمرة بانفرادها، وإن كان من أهل المغرب أتى بالحج لوجهين:

أحدهما: أن المشهور عندهم الحج، ولا يعرف العمرة إلا أهل العلم أو من تقدم له حج; فينبغي أن يحمل الناذر على ما يعرف.

والثاني: أن من يعرف العمرة لا يقصد أن يخرج للعمرة بانفرادها، ولا يقصد أهل المغرب أن يخرجوا إلا إلى الحج، وكل هذا فعلى القول أنه يحمل [ ص: 1639 ] الحالف عند عدم النية على العادة، وعلى أحد قولي مالك وابن القاسم أنه يحمل على ما يوجبه مجرد اللفظ دون العادة، لا يكون عليه أن يأتي بحج ولا عمرة; لأن مجرد النذر المشي خاصة.

واختلف في مشي المناسك إذا نذر الحج فقال مالك مرة : يمشي المناسك .

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يركبها، وترجح مالك مرة لمثل ذلك فقال في كتاب محمد : إن جهل فركب المناسك، ومشى ذلك قابلا فلا هدي عليه .

قال محمد : ولم يره بمنزلة من عجز في الطريق، قال ابن القاسم وذلك فيما ظننت لأن بعض أهل العلم رأى أن مشيه الأول يجزئه ، وأرخص في الركوب إلى عرفة.

قال الشيخ -رحمه الله-: وهذا هو الأصل; لأن الناذر إنما قال: علي المشي إلى مكة، فجعل غاية مشيه إلى مكة; فلم يلزمه أكثر من ذلك وإن كانت نيته للحج، ولو قال رجل: علي المشي إلى مصر في حج لم يكن عليه إلا أن يمشي إلى مصر ثم يركب ويحج، فكذلك قوله: علي المشي إلى مكة في حج; يمشي إلى مكة، ويركب ما سواها، إلا أن ينوي مشي المناسك، وقول ابن حبيب يمشي لرمي الجمار، وإن كان قد أفاض فلعادة، فإن لم تكن كان له أن يركب . [ ص: 1640 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية