صفحة جزء
فصل [فيمن تزوج على ثمر لم يبد صلاحه]

وقال مالك ، فيمن تزوج على ثمر لم يبد صلاحه ، أو بعير شارد، أو عبد [ ص: 1914 ] آبق، أو جنين: يفسخ قبل ويثبت بعد، ولها صداق المثل، ومصيبة ذلك قبل القبض من الزوج، وإن قبضته وفات بحوالة أسواق أو نماء أو نقص; كانت عليها القيمة يوم قبضته . وأما الثمرة فعليها مكيلة ما جدت أو حصدت من الحبوب . وكذلك إن تزوجها بخمر يفسخ قبل، ويثبت بعد، ولها صداق المثل .

وقد اختلف في حكم هذا العقد وفي ضمان الصداق، فذكر القاضي أبو الحسن ابن القصار وأبو محمد عبد الوهاب عن مالك فيها ثلاثة أقوال: فقال مرة: يمضي بنفس العقد ولها صداق المثل إن دخل بها. وإن طلق قبل الدخول; لم يكن لها شيء كالتفويض. وقال مرة يفسخ قبل، ويثبت بعد. وقال: يفسخ قبل وبعد . وفي كتاب محمد مثله . فإن تزوج بخمر يفسخ قبل وبعد.

وقال أبو محمد عبد الوهاب : اختلف أصحابنا في تأويل قول مالك : إنه يفسخ قبل، فمنهم من حمله على الإيجاب تغليظا وعقوبة، لئلا يعود إلى مثل ذلك. ومنهم من حمله على الاستحباب احتياطا ليخرج من الخلاف .

قال الشيخ - رضي الله عنه -: أثبت ذلك بالعقد مرة، مراعاة للخلاف ولأنه عقد بوجه شبهة تقع به الحرمة بينه وبين أمها وابنتها وبينها وبين آبائه، وتجري فيه [ ص: 1915 ] المواريث، فقام ذلك مقام حوالة الأسواق في البياعات، وفسخه مرة قبل وبعد، بخلاف البيع; لأن النكاح يفتقر إلى ولي، فإذا فسد العقد الأول، وجب استئنافه بولي; لأن العقد كان فاسدا، وإنما حصلت الشبهة في الدخول، وهو بغير ولي، وأمضاه في القول الآخر بالدخول مراعاة للخلاف في الولي.

وأما ضمان الصداق فقال مالك : يضمن جميعه بالقبض، وإن فسخ النكاح.

وقال ابن حبيب : إن عثر على ذلك قبل البناء كانت المصيبة من الزوج وله النماء - كما لو طلق في النكاح الصحيح وإن بنى بها كانت ضامنة وعليها القيمة.

يريد: أنه لما كان الطلاق في النكاح الصحيح يسقط الضمان في النصف; كان الفسخ يسقط الضمان في الجميع.

والأول أحسن; لأن المطلق ترك قبض ما اشتراه باختيار منه. وقد كان القياس -لولا ما ورد في ذلك- ألا يرجع بشيء إن طلق; لأنه ترك قبض ما اشتراه باختيار منه، فلا يرجع في ثمنه، وهذا غلب على قبض ما اشتراه، وحيل بينه وبينه في الفسخ ، فجرى العوض مجرى البياعات في الضمان، ويفوت الجنين بالأيام اليسيرة; لأنه يسرع إليه انتقاله.

وفي كتاب البيوع الفاسدة، ذكر الثمار تباع قبل بدو صلاحها ثمرة رطبة أو يابسة وهي قائمة أو فائتة، وقد علمت المكيلة، أو لم تعلم، فاختلف قول ابن [ ص: 1916 ] القاسم ، ومحمد في ذلك .

وإن تزوجت بثمر لم يبد صلاحها على الجداد، فغفل عنها حتى بدا صلاحها، لم يفسخ النكاح; لأنه كان جائزا، ولا يتهمان أن يكونا عملا على ذلك، والثمرة للزوج وعليه قيمتها يوم كانت الزوجة تجدها.

وإن جذتها الزوجة رطبة، وكانت قائمة العين; أخذها الزوج، ولا شيء عليها بخلاف أن يتزوج بها على البقاء; لأن هذه دخلت على جدادها بلحا، فجدتها رطبا فلم تزده إلا خيرا.

وإذا تزوجت على البقاء وكان الشأن جدادها يابسة، لزمتها قيمتها، وإن كانت مجدودة ; لأن جدادها قبل اليبس فساد، وإن تزوجت بخمر فسخ قبل ويثبت بعد .

وقال محمد : ومن الناس من قال: يفسخ بعد .

واختلف إذا استهلكت الخمر، فقال ابن القاسم : لها صداق المثل ولا تتبع بشيء. قال محمد : وكان أشهب يقول في هذا وشبهه: تعطى ما تستحل به، وهو ربع دينار . [ ص: 1917 ]

وهو أحسن; لأن حقها في الصداق سقط بقبضها الخمر، والمقال الآن لحق الله تعالى سبحانه ولو لم تقبض الخمر، لكان لها صداق المثل; لأنها تقول تزوجت على ما هو عندي مال، ويصح ملكه. فإذا حيل بينها وبينه رجعت إلى قيمة سلعتها.

واختلف إذا كانا كافرين فأسلما قبل الدخول، وقبل القبض. فقال أشهب : لها ربع دينار . يريد: لأن الزوج يقول: أنت الآن مسلمة، ولو غرمت لك الخمر لكسرت عليك، فلا فائدة في أن أغرم ما لا ينتفع به، فكانت مصيبة دخلت عليها، بخلاف أن يسلم أو يكون مسلما وهي كافرة ممن يصح لها الانتفاع بها.

التالي السابق


الخدمات العلمية