صفحة جزء
فصل [فيمن تزوج بمرضعتين]

وإن تزوج امرأة ومرضعتين وهي صغيرة، فأرضعتهما الكبيرة قبل [ ص: 1956 ] البناء، انفسخ نكاحها; لأنها من أمهات نسائه، فله أن يختار إحدى المرضعتين، ولا صداق للكبيرة; لأن الفسخ من سببها. واختلف في التي يفارق من الأختين ، فذكر الشيخ أبو محمد بن أبي زيد عن ابن القاسم أنه قال: لا شيء لها على الزوج.

وقال محمد : لها ربع صداقها; لأنه لو فارقها قبل أن تختار ، كان النصف بينهما. وقال ابن حبيب : للتي فارق نصف صداقها ، وجعله بمنزلة من طلق طوعا; لأنه فراق بطلاق، ولا سبب لها فيه، ولأنه كان قادرا على أن يختارها، ولأن ذلك مصيبة نزلت به كموتها، فإن مصيبة المبيع منه، ويغرم الثمن .

ووجه قول ابن القاسم ألا شيء عليه; لأنه مغلوب على الفراق، وإنما ورد القرآن بغرم نصف الصداق فيمن طلق طوعا، ولا يشبه ذلك موتها; لأن المبيع في هذه المسألة بيدها، تأخذ له عوضا من غيره إن أحبت، وإن أخذته بعد العقد وطلق قبل البناء- غرم نصف الصداق; لأنه في معنى الهالك، لا يأخذ به عوضا.

ثم يختلف في الكبيرة التي أرضعتهما، هل يرجع الزوج عليها بالنصف إن [ ص: 1957 ] غرمه، أو ترجع الصغيرة عليها إن لم يغرمه الزوج. فأما غرمها للزوج فقياسا على من شهد عليه بالطلاق قبل البناء، ثم رجعت البينة، فقال ابن القاسم : يرجع على البينة بما غرم. وقال أشهب : لا رجوع له عليها; لأنها لم توجب عليه إلا ما كان يلزمه لو طلق .

والقول الأول أصوب; لأنه لم يطلق وإنما اشترى شيئا وبذل له العوض، فحيل بينه وبين قبضه وأغرم العوض. وإذا لم يغرم الزوج فإنه يختلف في رجوع الصبية على التي أرضعتها، فإذا قيل: إن وجه منع غرم الزوج لأنه لم يطلق طوعا، وأنه حيل بينه وبين قبض المبيع- كان لها أن ترجع على المرضعة لأنها تقول: كان لي دين أسقطته بفعلك. وإن قيل: إن وجه سقوط الغرم عن الزوج لأن المبيع بيدها تبيعه وتأخذ العوض عنه إن أحبت ولم يملك لها شيء لم ترجع; لأن الوجه الذي سقط به مقالها عن الزوج والتي أرضعتها واحد. وكذلك إذا أسلم على أختين ففارق إحداهما، أو على عشر نسوة ففارق ستا ، فعلى قول ابن القاسم ، لا شيء لمن فارق، وعلى قول محمد : يكون للأخت ربع صداقها، ولكل واحدة من الست خمس صداقها. وعلى قول ابن حبيب : لكل واحدة نصف صداقها . والأول أصوب. ومن هذا [ ص: 1958 ] الأصل قول أصبغ في كتاب ابن حبيب في رجل له ابنتان فزوج إحداهما، ثم اختلفا. فقال الزوج: تزوجت فلانة، وقال الأب: بل فلانة، فقال أصبغ : للتي أقر لها الزوج نصف صداقها . لأن من حجة الزوجة: أن الزوج مقر لها بالنكاح وبالصداق، فليس ظلم الأب وجحوده يسقط دينها.

التالي السابق


الخدمات العلمية