إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما أجزاء الحيوانات فقسمان أحدهما ما يقطع منه وحكمه حكم الميت .

والشعر لا ينجس بالجز والموت والعظم ينجس .

.


ثم رأيت هذا السياق بعينه في الروضة (وأما أجزاء الحيوانات) المنفصلة منها (فقسمان أحدهما ما) يبان أي (يقطع منه وحكمه حكم الميت) لما روي عنه صلى الله عليه وسلم ما أبين من حي فهو ميت. أخرجه الحاكم من حديث أبي سعيد بلفظ: ما قطع، وأخرجه الدارمي وأحمد وأبو داود والترمذي من حديث أبي واقد الليثي بلفظ: ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة، وأخرجه ابن ماجه والطبراني وابن عدي من حديث تميم الداري بلفظ: ما أخذ من البهيمة وهي حية فهو ميتة، وقد ظهر منه أن الأصل فيما يبان من الحي النجاسة (و) يستثنى عنه (الشعر) فإنه طاهر (لا ينجس بالجز) للحاجة إليه في الملابس، قال الرافعي: وفي معنى الشعر الريش والصوف والوبر، وقد قيل في قوله تعالى: ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين أن المراد إلى حين فنائها، هذا فيما يبان بطريق الجز، وفي النتف والتناثر وجهان والأصح إلحاقهما بالجز، ثم قال: واعلم أن ظاهر قوله فكل ما أبين من حي فهو ميت إلا الشعور المنتفع بها لا يمكن العمل به لا في طرف المستثنى ولا في طرف المستثنى منه، أما المستثنى فلأنه يتناول جملة الشعور المجزوزة، والطهارة مخصوصة بشعور المأكول، وأيضا فإنه يتناول الشعر المبان على العضو المبان من الحيوان، وإنه نجس في أصح [ ص: 317 ] الوجهين، وأما المستثنى منه فلأنه يدخل فيه العضو المبان من السمك والآدمي والجراد ومشيمة الآدمي، وهذه الأشياء طاهرة على المذهب الصحيح; ولذلك يدخل فيه شعور الآدمي فإنه غير منتفع به حتى يدخل في المستثنى، وإذا لم يتناوله الاستثناء بقي داخلا في المستثنى منه، ومع ذلك فهو طاهر فظهر تعذر العمل بالظاهر ووقوع الحاجة إلى التأويل، ومما ينبغي أن يتنبه له معرفة أن تفصيل الشعور والمبانة وتقسيمها إلى طاهر ونجس مبني على ظاهر المذهب في نجاسة الشعور بالإبانة، فإن قلنا: لا تنجس بالموت فلا تنجس أيضا بالإبانة بحال، والله أعلم .

(والعظم ينجس بالموت) لكونه مما تحله الحياة، وهو قول مالك والشافعي وأحمد، وقال أبو حنيفة: لا ينجس، وهي رواية ابن وهب عن مالك.

التالي السابق


الخدمات العلمية