إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ويكره في الوضوء أمور منها أن يزيد على الثلاث فمن زاد فقد ظلم وأن يسرف في الماء توضأ عليه السلام ثلاثا ، وقال : من زاد فقد ظلم وأساء وقال : سيكون قوم من هذه الأمة يعتدون في الدعاء والطهور ويقال : من وهن علم الرجل ولوعه بالماء في الطهور وقال إبراهيم بن أدهم يقال إن أول ما يبتدئ الوسواس من قبل الطهور وقال الحسن إن شيطانا يضحك بالناس في الوضوء يقال له : الولهان .

ويكره أن ينفض اليد فيرش الماء .




ثم قال المصنف : (ويكره في الوضوء أمور منها أن يزيد على الثلاث ) ، أي : يتجاوز الحد المسنون في الزيادة عليه في المرات الثلاثة بأن يجعلها أربعا من غير ضرورة ، وكذا النقصان بأن يجعلها اثنتين لغير ضرورة وقيل : المنهي عن الزيادة أو النقصان ما إذا كان معتقدا سنيتها فأما لو زاد لطمأنينة القلب عند الشك فلا بأس به ، كما أشار إليه النووي وسبق ذلك ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بترك ما يريبه إلى ما لا يريبه كذا في الكافي وغيره ، وفي الخلاصة : وإن غسل مواضع الوضوء أربع مرات يكره قال الفقيه أبو جعفر : لا يكره إلا إذا رأى السنة فيما وراء الثلاث ، وهذا إذا لم يفرغ من الوضوء ، فإن فرغ ، ثم استأنف الوضوء لا يكره بالاتفاق اهـ. قال شارح المنية من أصحابنا : وهو يفيد أن تجديد الوضوء على أثر الوضوء من غير أن يؤدي بالأول عبادة غير مكروه وفيه إشكال لإطباقهم على أن الوضوء عبادة غير مقصودة لذاتها ، فإذا لم يؤد به عمل مما هو المقصود من غير شرعيته كالصلاة وسجدة التلاوة ومس المصحف ينبغي ألا يشرع تكراره قربة لكونه غير مقصود لذاته فيكون إسرافا محضا ، وقد قالوا في السجدة : لما لم تكن مقصودة لم يشرع التقرب بها مستقلة ، وكانت مكروهة فهذا أولى اهـ. (و) من مكروهات الوضوء (أن يسرف في الماء) ، أي : في [ ص: 370 ] استعماله بأن يصرف فيه زائدا على ما ينبغي كأن يغسل أربعا وما أشبه ذلك ، وقد روى أحمد وابن ماجه من حديث سعد لما مر به صلى الله عليه وسلم ، وهو يتوضأ فقال له : ما هذا السرف يا سعد ؟ قال : أفي الوضوء سرف ؟ قال : نعم ، وإن كنت على نهر جار . فالإسراف في صب الماء مكروه ولو كان مملوكا أو نهرا ، وأما الموقوف كالمدارس فحرام كذا في الدر (توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ، وقال : من زاد فقد ظلم وأساء ) قال العراقي : أخرجه أبو داود والنسائي واللفظ له وابن ماجه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده اهـ .

قلت : لفظ أبي داود أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله كيف الطهور فدعا بإناء فيه ماء فغسل كفيه ثلاثا ، ثم غسل وجهه ثلاثا ، ثم غسل ذراعيه ثلاثا ، ثم مسح برأسه أدخل أصبعيه السبابتين باطن أذنيه ، ثم غسل رجليه ثلاثا ثلاثا ، ثم قال : هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم أو ظلم وأساء ، وأخرجه النسائي وابن ماجه ، وفي لفظ ابن ماجه : فقد تعدى وظلم وللنسائي أساء وتعدى وظلم والاحتجاج بهذا الإسناد صحيح ، فإن المراد بجد عمرو عند الإطلاق أبو أبيه ، وهو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما والمراد بالزيادة الزيادة على الثلاث معتقدا سنيتها ، كما تقدم ، وكذا المراد بالنقصان ومعنى تعدى جاوز حد السنة في الزيادة ومعنى ظلم أي ظلم السنة حقها في النقصان ، ثم المرة الأولى فرض والثانية سنة والثالثة دونها في الفضيلة وقيل : الثالثة لكمال السنة كذا في الاختيار والأولى أن تكون الثانية والثالثة كلاهما سنة ؛ لأن التثليث الذي هو سنة إنما يحصل بهما .

(وقال صلى الله عليه وسلم : سيكون قوم من هذه الأمة يعتدون في الدعاء والطهور ) قال العراقي : أخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن مغفل اهـ .

قلت : أخرجه أبو داود من طريق أبي نعامة واسمه قيس بن عباية أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول : اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها فقال : أي بني سل الله الجنة وتعوذ به من النار ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء ، وأخرجه ابن ماجه مقتصرا منه على الدعاء وبمثل رواية ابن ماجه أخرجه أحمد عن سعد ويعتدون أي يتجاوزون ، وهذا هو معنى الإسراف (ويقال : من وهن علم الرجل) ، أي : من ضعفه والوهن بالتحريك يستعمل في العلم والعقل وبالسكون في البدن (ولوعه) بالفتح والضم كلاهما للاسم والمصدر (بالماء في الطهور) ، وفي نسخة في التطهير وظن العراقي أنه حديث فقال : لم أجد له أصلا وليس كذلك ، بل هو من كلام بعض السلف .

(وقال إبراهيم بن أدهم) البلخي الزاهد (أول ما يبدأ الوسواس من قبل الطهور) وذلك أنه يلقي من الشيطان في هاجسه أنه لم يطهر بعد فيعتدي ، وفي العوارف قال أبو عبد الله الروزبادي : إن الشيطان يجتهد أن يأخذ نصيبه من جميع أعمال بني آدم ولا يبالي إن أخذ نصيبه بأن يزدادوا فيما أمروا به وينقصوا منه .

(وقال الحسن) هو البصري : (إن شيطانا يضحك بالناس في الوضوء يقال له : الولهان ) وليس هذا من قول الحسن ، بل هو حديث مرفوع أخرجه الترمذي في جامعه فقال : أخبرنا محمد بن بشار أخبرنا أبو داود حدثنا خارجة بن مصعب عن يونس بن عبيد عن الحسن عن يحيى بن ضمرة السعدي عن أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : للوضوء شيطان يقال له : الولهان فاتقوا وساوس الماء (ويكره أن ينفض اليد فيرش الماء ) ، أي : بعد الفراغ من الوضوء لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم ، فإنها مراوح الشيطان قال ابن الملقن : رواه ابن أبي حاتم في علله وابن حبان في ضعفائه من رواية أبي هريرة وضعفاه وإنكار ابن الصلاح من الحديث ، فإنها مراوح الشيطان غلط لوجودها ، كما ذكرناه اهـ. ، وفي الروضة للنووي قلت : في النفض أوجه الأرجح أنه مباح تركه وفعله سواء ، والثاني مكروه والثالث تركه أولى والله أعلم اهـ .

قلت : وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم ناولته زينب خرقة بعد طهارته فنفض يده ولم يأخذها فهذا يدلك على أن النفض مطلقا غير مكروه ولعل المصنف قيده بقوله : فيرش الماء نظرا لذلك فتأمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية