إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وفرض الوضوء النية وغسل الوجه وغسل اليدين إلى المرفقين ومسح ما ينطلق عليه الاسم من الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين والترتيب .

وأما الموالاة فليست بواجبة .

.


(و) الواجب (من الوضوء) ستة أشياء منها (النية) وهي واجبة في طهارة الأحداث وإليه ذهب مالك وأحمد خلافا لأبي حنيفة إلا في التيمم ودليل الجماعة قوله صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات واعتبار ما عدا التيمم بالتيمم ، وأما إزالة النجاسة فلا تعتبر فيها النية ؛ لأنها من قبيل التروك والتروك لا تعتبر فيها النية وطهارة الأحداث عبادات فأشبهت سائر العبادات ويحكى عن ابن سريج اشتراط النية فيها ، وبه قال أبو سهل الصعلوكي فيما حكاه صاحب التتمة ولا يجوز أن تتأخر النية عن أول غسل الوجه ولا يجب الاستصحاب إلى آخر الوضوء لما فيه من العسر ومحلها القلب وكيفيتها أن ينوي رفع الحدث أو استباحة الصلاة أو أداء فرض الوضوء وصفة الكمال أن ينطق بلسانه بما نواه في قلبه ليكون في وطاء وقوام قيل إلا مالكا ، فإنه كره النطق باللسان فيما فرضه النية ولو اقتصر على النية بقلبه أجزأه بخلاف ما لو نطق بلسانه دون أن ينوي بقلبه ودليل أبي حنيفة في عدم افتراضها في طهارة الأحداث أنه صلى الله عليه وسلم لم يعلم الأعرابي النية حين علمه الوضوء مع جهله ولو كانت فرضا لعلمه ، وقوله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة الآية أمر بالغسل والمسح مطلقا عن شرط النية فلا يجوز تقييد المطلق إلا بدليل ، وقوله عليه السلام : إنما الأعمال بالنيات قلنا بموجبه لكمال المأمور به ، أي : ثواب العمل بحسب النية فالمنفي ترتب الثواب على الفعل المجرد عن النية لا لعدم كون الوضوء ونحوه قربة إذا لم ينو ، وأما حصول الطهارة فلا يتوقف على وجود النية ؛ لأن الوضوء طهارة بالماء كغسل النجاسة به ؛ لأنه خلق مطهرا ، فإذا أصاب الأعضاء طهرها ، وإن لم يقصد كهو في الإرواء والطعام في الإشباع والنار في الإحراق والحدث الحكمي دون النجاسة ، وأما التراب ، فإنه غير مزيل للحدث بأصله فلم يبق فيه إلا معنى التعبد وذلك لا يحصل بدون النية فافترقا ، والثاني (غسل الوجه) بالاستيعاب ، وهو أول الأركان الظاهرة للوضوء والثالث (غسل اليدين إلى المرفقين ) مثنى مرفق بكسر الميم وفتح الفاء وعكسه لغة ملتقى عظم العضد وعظم الذراع ، أي : مع المرفقين (و) الرابع (مسح) الرأس وليس من الواجب استيعاب الرأس بالمسح ، بل الواجب (ما ينطلق عليه الاسم) ، أي : اسم المسح (من الرأس) خلافا لمالك ، فإنه قال يجب الاستيعاب ، وهو اختيار المزني وإحدى الروايتين عن أحمد ، وقال أبو حنيفة : يتقدر بالربع (و) الخامس (غسل الرجلين إلى الكعبين ) ، أي : مع الكعبين (و) السادس (الترتيب ) لما روى الدارقطني من حديث رفاعة رفعه لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء [ ص: 382 ] كما أمر الله تعالى فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ، وقال أبو حنيفة ومالك : هو سنة وليس بواجب ؛ لأن الواو في الآية لمطلق الجمع فلا تفيد الترتيب والفاء لتعقيب جملة الأعضاء ؛ لأن المعقب طلب الفعل وله متعلقات وصل إلى أولها ذكرا بنفسه والباقي بواسطة الحرف المشترك فاشتركت كلها فيه من غير إفادة طلب تقديم تعليق بعضها على بعض في الوجود فصار مؤدى التركيب طلب أعقاب غسل جملة الأعضاء ، وهو نظير ادخل السوق فاشتر لنا لحما وخبزا حيث كان المفاد أعقاب الدخول لشراء ما ذكر كيفما وقع (وأما الموالاة) وهي المتابعة بأن يغسل العضو الثاني قبل جفاف الأول في زمان معتدل وبدن معتدل (فليست واجبة) على القول الجديد ، بل هي سنة ، وبه قال أبو حنيفة ، وفي القول القديم واجبة ، وبه قال مالك وأحمد في رواية دليل القول القديم إن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ على سبيل الموالاة وقل من وصف وضوءه لم يصفه إلا مرتبا متواليا ودليل القول الجديد ما رواه أحمد وأبو داود من حديث أنس أن رجلا توضأ وترك لمعة في عقبه فلما كان بعد ذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسل ذلك الموضع ولم يأمره بالاستئناف.

التالي السابق


الخدمات العلمية