إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
والغسل الواجب بأربعة بخروج المني .




(والغسل الواجب) ، أي : المفترض (أربعة) أحدها (الغسل بخروج المني ) ، وهو موجب للغسل بالإجماع قال الرافعي : وللمني خواص ثلاث أحدها الرائحة الشبيهة برائحة العجين والطلع ما دام رطبا ، فإذا جف أشبهت رائحته رائحة بياض البيض الثانية التدفق بدفعات والثالثة التلذذ بخروجه واستعقابه فتور الذكر وانكسار الشهوة وله صفات أخر نحو الثخانة والبياض في مني الرجل والرقة والاصفرار في مني المرأة في حال اعتدال ، ولكن هذه الصفات ليست من خواصه ، بل الودي أيضا أبيض ثخين كمني الرجل والمذي رقيق كمني المرأة ولا يشترط اجتماع هذه الخواص ، بل الخاصية الواحدة كافية في معرفة أن الخارج مني فلو خرج بغير دفق وشهوة لمرض أو تحمل شيء ثقيل وجب الغسل خلافا لأبي حنيفة ، وكذلك لمالك وأحمد فيما حكاه أصحابنا اهـ .

قلت : من موجبات الغسل عندنا خروج المني إلى ظاهر الجسد إذا انفصل عن مقره بدفق وشهوة من غير جماع كأن حصل باحتلام أو عبث أو فكر أو نظر والدفق لازم الشهوة ، فإذا لم توجد الشهوة عند خروجه لا يوجب الغسل عندنا ، كما إذا ضرب على صلبه أو حمل شيئا ثقيلا فنزل منه مني بلا شهوة ويشترط وجود الشهوة عند انفصاله من الصلب ولا يشترط دوامها إلى انفصاله إلى ظاهر الفرج عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف ، ثم قال الرافعي : ولو اغتسل عن الإنزال ، ثم خرجت منه بقية وجب الغسل لوجود الرائحة سواء خرجت بعد ما بال أو قبله خلافا لمالك حيث قال في إحدى الروايتين : لا غسل عليه في الحالتين ، وفي رواية أنه إن خرج قبل البول فهو بقية المني الأول فلا يجب الغسل ثانيا ، وإن خرج بعده فهو مني جديد فيلزمه الغسل خلافا لأحمد حيث قال : إن خرج قبل البول وجب الغسل ثانيا ، وإن خرج بعده فلا ، وحكي عن أبي حنيفة مثله وجعل ذلك بناء على اعتبار الدفق والشهوة ؛ لأن ما خرج قبل البول بقية ما خرج بشهوة وما خرج بعد البول خرج بغير شهوة وقول من قال : الخارج بعد المني مني جديد ممنوع ، بل هو بقية الأول بكل حال قلت : قال أصحابنا : إذا أمنى بشهوة واغتسل من ساعته وصلى ، ثم خرج بقية المني عليه الغسل عند أبي حنيفة ومحمد لا عند أبي يوسف ولا يعيد الصلاة بالإجماع ؛ لأنه اغتسل للأول ولا يجب الغسل للثاني إلا بعد خروجه ولو خرج بعد ما بال وارتخى ذكره أو نام أو مشى خطوات كثيرة لا يجب عليه الغسل اتفاقا ؛ لأن ذلك يقطع مادة المني الزائل عن مكانه بشهوة ولو خرج منه بعد البول وذكره منتشر وجب الغسل والفتوى على قول أبي يوسف في الضيف : إذا استحى من أهل البيت أو خاف أن يقع في قلبهم الريبة وعلى قولهما في غير الضيف ، وإذا لم يتدارك مسك ذكره حتى نزل المني صار جنبا بالاتفاق ، ثم قال الرافعي : وقول المصنف في الوجيز والمرأة : إذا تلذذت بخروج مائها لزمها الغسل يشعر بأن طريق معرفة المني في حقها الشهوة والتلذذ لا غير ، وقد صرح به في الوسيط قال : ولا يعرف في حقها إلا من الشهوة ، وكذلك ذكره إمام الحرمين ، لكن ما ذكره [ ص: 383 ] الأكثرون تصريحا وتعريضا التسوية بين مني الرجل والمرأة في طرد الخواص الثلاث فقد قال في التهذيب : إن مني المرأة إذا خرج بشهوة أو غير شهوة وجب الغسل كمني الرجل ، وإذا وجب الغسل مع انتفاء الشهوة كان الاعتماد على سائر الخواص ولو اغتسلت المرأة من الجماع ، ثم خرج المني منها لزم الغسل بشرطين أحدهما أن تكون ذات شهوة ، والثاني أن تقضي شهوتها بذلك الجماع لا كالنائمة والمكرهة ، وإنما وجب الغسل عند اجتماع هذين الشرطين ؛ لأنه حينئذ يغلب على الظن اختلاط منيها بمنيه ، وإذا خرج منها ذلك القدر المختلط فقد خرج منها منيها ، أما في الصغيرة والمكرهة والنائمة إذا خرج المني بعد الغسل لم يلزم إعادة الغسل ؛ لأن الخارج مني الرجل وخروج مني الغير من الإنسان لا يقتضي جنابة قلت : وفي ظاهر الرواية عندنا المرأة كالرجل ، وبه يؤخذ ووجهه حديث أم سليم هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت فقال : نعم إذا رأت الماء وقيل : يلزمها الغسل بالاحتلام من غير رؤية ماء إذا وجدت اللذة .

(تنبيه)

يعتبر خروج المني في الرجل ببروزه من الإحليل حتى لو كان أقلف فنزل إلى قلفته وجب عليه الغسل ، وأما في المرأة فخروجه من الفرج الداخل إلى الفرج الخارج ، ثم هذا الخروج تارة يثبت حسا حقيقة ، وهو ظاهر وتارة يثبت حكما فقد ذكروا أن المرأة إذا جومعت فيما دون الفرج ووصل المني إلى رحمها وهي بكر أو ثيب لا غسل عليها لفقد السبب ، وهو الإنزال ومواراة الحشفة ، فإن حبلت كان عليها الغسل من وقت المجامعة حتى يجب إعادة الصلوات من ذلك الوقت لوجود الإنزال ؛ لأنه لا حبل بدونه ، وبه قالت المالكية.

التالي السابق


الخدمات العلمية