إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
أو بمانع له عن الوصول إليه من سبع أو حابس أو كان الماء الحاضر يحتاج إليه لعطشه أو لعطش رفيقه .


ثم أشار إلى السبب الثاني من أسباب العجز بقوله (أو لمانع له عن الوصول) والسعي (إليه) ، أي : إلى الماء بأن خاف على نفسه (من سبع) بضم الباء وإسكانها لغة وبالإسكان قرئ في قوله تعالى : وما أكل السبع روي ذلك عن الحسن البصري وطلحة بن سليمان وأبي حيوة ، ورواه بعضهم عن عبد الله بن كثير أحد السبعة ويقع السبع على كل ما له ناب يعدو به ويفترس كالذئب والفهد والنمر ، وأما الثعلب فليس بسبع ، وإن كان له ناب ؛ لأنه لا يعدو به ولا يفترس ، وكذلك الضبع قاله الأزهري (وحابس) كعدو أو سارق أو غاصب بأن خاف على ماله المخلف في المنزل أو الذي معه من هؤلاء فله التيمم ، وهذا الماء كالمعدوم قلت وزادوا عندنا فقالوا : وكذا لو خاف المديون المفلس الحبس أو خاف فاسقا عند الماء وهؤلاء كلهم لا إعادة عليهم ، ثم قال الرافعي : وكذلك الحكم لو كان في السفينة ولا ماء معه وخاف على نفسه لو استقى من البحر والخوف على بعض الأعضاء كالخوف على النفس ولو خاف الوحدة والانقطاع عن الرفقة لو سعى إليه ، فإن كان عليه ضرر وخوف في الانقطاع لم يلزمه السعي إليه ويتيمم ، وإن لم يكن ضرر فكذلك على أظهر الوجهين ، ثم أشار إلى السبب الثالث من أسباب العجز بقوله : (أو كان الماء الحاضر) سواء كان مملوكا له أو لغيره ، لكنه (يحتاج إليه لعطشه) فله التيمم دفعا لما يلحقه من الضرر لو توضأ به (أو عطش رفيقه) ولو رفيق القافلة أو حيوانا آخر محترما دفعه إليه إما مجانا أو بعوض ويتيمم وللعطشان أن يأخذ منه قهرا لو لم يبذله وغير المحترم من الحيوان هو الحربي والمرتد والخنزير والكلب العقور وسائر الفواسق وما في معناها وهل يفترق الحال بين أن تكون هذه الحاجة ناجزة وبين أن تكون متوقعة في المآل ، أما في عطش نفسه فلا فرق ، بل توقعه مآلا لإعواز غير ذلك الماء ظاهرا كحصوله مآلا ، وأما في عطش الرفيق والبهيمة فقد أبدى إمام الحرمين ترددا فيه وتابعه المصنف في البسيط والظاهر الذي اتفق عليه المعظم أنه يتركه لرفيقه ويتيمم ، كما يفعل ذلك لنفسه ؛ إذ لا فرق بين الروحين في الحرمة .

(تنبيه)

قال الشافعي رضي الله عنه : إذا مات رجل له ماء ورفقاؤه يخافون العطش شربوه ويمموه وأدوا ثمنه في ميراثه ؛ لأنه ليس للنفس بدل وللطهارة بدل ، وهو التيمم ، واختلفوا في مراد الشافعي بالثمن فقبل أراد به المثل ؛ لأن الماء مثلي والمثليات تضمن بالمثل دون القيمة وقيل : أراد به القيمة ، وإنما أوجهها هنا ؛ لأن المسألة مفروضة فيما إذا كانوا في مفازة عند الشرب ، ثم رجعوا إلى بلدتهم ولا قيمة للماء بها فلو أدوا الماء لكان ذلك إحباطا لحقوق الورثة فيغرمون قيمته يوم الإتلاف في موضعه والله أعلم .

(تنبيه)

آخر إذا أوصى بمائه لأولى الناس به أو وكل رجلا بصرف مائه إلى أولى الناس به فحضر محتاجون إلى ذلك الماء كالجنب والحائض والميت ومن على بدنه نجاسة فمن يقدم [ ص: 388 ] منهم اعلم أن الميت ومن على بدنه نجاسة أولى من غيرهما ، أما الميت فلمعنيين أحدهما قال الشافعي رضي الله عنه : إن أمره يفوت فليختم بأكمل الطهارتين ، والثاني قال بعض الأصحاب : المقصود من غسل الميت تنظيفه وتكميل حاله والتراب لا يفيد ذلك وغرض الحي يحصل بالتيمم ، وأما من على بدنه نجاسة فلأن إزالة النجاسات لا بدل لها وللطهارات بدل وهو التيمم ، وإذا اجتمعا ففيه وجهان أصحهما أن الميت أولى ، وإن اجتمع ميتان ، فإن ماتا على الترتيب فالأول أولى ، فإن ماتا معا فأفضلهما ، فإن استويا أقرع بينهما ، وفي الحائض مع الجنب ثلاثة أوجه أصحها أن الحائض أولى ؛ لأن حدثها أغلظ قلت وعامة مشايخ الحنفية أن الميت أولى من الجنب والحائض كذا في الخلاصة والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية