إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وتأكل طرف من أطراف بعضهم واحتيج فيه إلى القطع ، فلم يمكن منه ، فقيل : إنه في الصلاة لا يحس بما يجري عليه فقطع ، وهو في الصلاة .

وقال بعضهم الصلاة من الآخرة ، فإذا دخلت فيها خرجت من الدنيا وقيل لآخر : هل تحدث نفسك بشيء من الدنيا في الصلاة فقال ؟ : لا في الصلاة ، ولا في غيرها .

وسئل بعضهم : هل تذكر في الصلاة شيئا ؟ فقال : وهل شيء أحب إلي من الصلاة فأذكره فيها وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول من : فقه الرجل أن يبدأ بحاجته قبل دخوله في الصلاة ، ليدخل في الصلاة وقلبه فارغ .

وكان بعضهم يخفف الصلاة خيفة الوسواس وروي أن عمار بن ياسر صلى صلاة فأخفها فقيل له : خففت يا أبا اليقظان ، فقال : هل رأيتموني نقصت من حدودها شيئا ؟ قالوا : لا ، قال : إني بادرت سهو الشيطان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له نصفها ، ولا ثلثها ، ولا ربعها ، ولا خمسها ، ولا سدسها ، ولا عشرها " وكان يقول إنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها ويقال : إن طلحة ، والزبير وطائفة من الصحابة رضي الله عنهم كانوا أخف الناس صلاة ، وقالوا نبادر بها وسوسة الشيطان .

وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال على المنبر : إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام ، وما أكمل لله تعالى صلاة قيل : وكيف ذلك ؟ قال : لا يتم خشوعها وتواضعها ، وإقباله على الله عز وجل فيها وسئل أبو العالية عن قوله تعالى : الذين هم عن صلاتهم ساهون قال : هو الذي يسهو في صلاته ، فلا يدري على كم ينصرف ؛ أعلى شفع أم على وتر وقال الحسن هو الذي يسهو عن وقت الصلاة حتى تخرج .

وقال بعضهم هو الذي إن صلاها في أول الوقت لم يفرح ، وإن أخرها عن الوقت لم يحزن فلا يرى تعجيلها خيرا ، ولا تأخيرها إثما .


(وتأكل طرف من أطراف بعضهم واحتيج إلى القطع ، فلم يمكن منه ، فقيل : إنه في الصلاة لا يحس بما يجري عليه ، فقطعت) ، وفي نسخة : فقطع منه ذلك الطرف (وهو في الصلاة) .

قلت : المراد به عروة بن الزبير عم عامر بن عبد الله الذي تقدم ذكره ، وأسند المزني في التهذيب عن هشام بن عروة قال : وقعت الأكلة في رجله ، فقيل له : ألا ندعو لك طبيبا ؟ قال : إن شئتم ، فجاء الطبيب ، فقال : أسقيك شرابا يزول فيه عقلك ؟ فقال : امض لشأنك ؛ ما ظننت أن خلقا يشرب شرابا يزول فيه عقله حتى لا يعرف ربه . قال : فوضع المنشار على ركبته اليسرى ونحن حوله فما سمعنا له حسا ، فلما قطعناها جعل يقول : لئن أخذت لقد أبقيت ، ولئن أبليت قد عافيت ، وما ترك حزبه من القراءة تلك الليلة ، وكان ربع القرآن نظرا في المصحف ، وكان يصوم الدهر كله إلا يوم الفطر والنحر ، ومات وهو صائم ، وليس في المزني تصريح بأنه قطع عنه ذلك العضو وهو في الصلاة .

وروي من طريق ابن شوذب قال : كان وقع في رجله - يعني عروة - الأكلة فنشرها ، ومن طريق هشام أيضا خرج عروة إلى الوليد بن عبد الملك ، فخرجت برجله أكلة ، فقطعها .

(وقال بعضهم) ، ونص القوت : وقال بعض العلماء المصلين : (الصلاة من الآخرة ، فإذا دخلت في الصلاة خرجت من الدنيا) . هكذا أورده صاحب القوت . (وقيل لآخر : هل تحدث نفسك بشيء من الدنيا في الصلاة ؟ قال : لا في الصلاة ، ولا في غيرها) ، كذا أورده صاحب القوت ، والعوارف (وسئل بعضهم : هل تذكر في الصلاة شيئا ؟ فقال : وهل شيء أحب إلي من الصلاة فأذكره فيها) ، كذا أورده صاحب القوت (وكان أبو الدرداء - رضي الله عنه - يقول : من

[ ص: 169 ] فقه الرجل أن يبدأ بحاجته قبل دخوله في الصلاة ، ليدخل في الصلاة وقلبه فارغ) . هكذا أورده صاحب القوت والمعارف ؛ أي : إن ذلك من فهمه في الدين ، واتباعه طريق المسلمين (وكان بعضهم يخفف الصلاة خيفة الوسواس ) ، أي : يتقي خطرة الوساوس فيبادر بإتمامها (وروي أن عمار بن ياسر) بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس العنسي أبو اليقظان ، أمه سمية ، من لخم ، من خيار الصحابة ، ونجبائها ، وقتل بصفين مع علي ، وله ثلاث وتسعون سنة في محفة ، والذي قتله أبو غاربة المزني ، ودفن بصفين ، وروى له الجماعة .

(صلى) يوما (صلاة فأخفها) ، أي : لم يطول فيها (فقيل له : خففت يا أبا اليقظان ، فقال : هل رأيتموني نقصت من حدودها شيئا ؟ قالوا : لا ، قال : إني بادرت سهو الشيطان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له نصفها ، ولا ثلثها ، ولا ربعها ، ولا خمسها ، ولا سدسها ، ولا عشرها ") . هكذا أورده صاحب القوت ، وأخرجه أحمد بإسناد صحيح ، وتقدم المرفوع منه ، وهو عند أبي داود ، والنسائي (وكان يقول) ، أي : عمار بن ياسر (إنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها) . هكذا أورده صاحب القوت ، وهو من قول عمار ، وليس بمرفوع (ويقال : إن طلحة ، والزبير ) كلاهما من العشرة الكرام (وطائفة من الصحابة - رضي الله عنهم) ، ونص القوت : ويقال : إن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم طلحة ، والزبير (كانوا أخف الناس صلاة ، وقالوا) لما سئلوا عن ذلك (نبادر بها وسوسة الشيطان ، وروي عن عمر بن الخطاب ) ، ونص القوت : وروينا عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أنه (قال) وهو (على المنبر : إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام ، وما أكمل لله صلاة) ، ونص القوت : وما أكمل صلاته (قيل : وكيف ذلك ؟ قال : لا يتم خشوعها) ، وإخباتها (وتواضعها ، وإقباله على الله تعالى فيها) . هكذا أورده صاحب القوت ، والعوارف (وسئل أبو العالية) رفيع بن مهران الرياحي البصري ، أسلم بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنتين ، ودخل على أبي بكر الصديق ، وصلى خلف عمر بن الخطاب ، وهو مجمع على ثقته .

قال أبو بكر بن أبي داود : ليس أحدهم بعد الصحابة أعلم بالقرآن من أبي العالية . مات سنة تسعين . روى له الجماعة (عن قوله تعالى : الذين هم عن صلاتهم ساهون ) ، أي : عن تفسير الساهي ماذا هو ؟ (قال : هو الذي يسهو عن صلاته ، فلا يدري على كم ينصرف ؛ أعلى شفع أم على وتر) ، كذا أورده صاحب القوت .

(وقال الحسن) البصري لما سئل عن تفسير هذا القول : هو (الذي يسهو عن وقت الصلاة حتى يخرج) وقتها ، وكان يقول : أما والله لو تركوها لكفروا ، ولكن سهوا عن الوقت .

(وقال بعضهم) ، أي : غيرهما من السلف (هو الذي إن صلاها في أول الوقت) ، وفي الجماعة (لم يفرح ، وإن أخرها عن أول الوقت لم يحزن) ، ونص القوت : وإن صلاها بعد الوقت لم يحزن (فلا يرى) ، وجعله صاحب القوت قولا آخر لبعضهم ، فقال : وقيل : معناه هو الذي لا يرى (تعجيلها برا ، ولا تأخيرها إثما) ، ولما كان هذا القول راجعا في المعنى إلى ما قبله لم يأت به مستقلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية