إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الثانية : إذا خير المرء بين الأذان ، والإمامة فينبغي أن يختار الإمامة فإن لكل واحد منهما فضلا ولكن الجمع مكروه ؛ بل ينبغي أن يكون الإمام غير المؤذن وإذا تعذر الجمع ، فالإمامة أولى .

وقال قائلون : الأذان أولى لما نقلناه من فضيلة الأذان ولقوله صلى الله عليه وسلم : الإمام ضامن ، والمؤذن مؤتمن فقالوا فيها خطر الضمان وقال صلى الله عليه وسلم : " الإمام أمين ، فإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا " وفي الحديث : " فإن أتم ، فله ولهم ، وإن نقص فعليه لا عليهم " ولأنه صلى الله عليه وسلم قال اللهم أرشد الأئمة ، واغفر للمؤذنين " والمغفرة أولى بالطلب فإن الرشد يراد للمغفرة وفي الخبر : من أم في مسجد سبع سنين وجبت له الجنة بلا حساب ، ومن أذن أربعين عاما دخل الجنة بغير حساب .


(الثانية : إذا خير المريد بين الأذان ، والإمامة فينبغي أن يختار الإمامة) لمواظبة النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها ، وكذا الخلفاء الراشدون من بعده (فإن لكل واحد منهما فضلا) ، وردت به الأخبار (ولكن الجمع) بين الأذان ، والإمامة (مكروه ؛ بل ينبغي أن يكون الإمام غير المؤذن) تبع فيه صاحب القوت ؛ حيث قال : واستحب أن يكون المؤذن غير الإمام ، كذلك كان السلف رحمهم الله تعالى ، وقد قيل : كانوا يكرهون أن يكون الإمام مؤذنا . روي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم .

قلت : والأفضل عندنا كون الإمام هو المؤذن ، [ ص: 173 ] كذا في الدر المختار ، وعليه كان أبو حنيفة ، ففي الجامع الصغير قال يعقوب : رأيت أبا حنيفة - رحمه الله - يؤذن في المغرب ، ويقيم ، ولا يجلس ، وفي الفرائد نقلا عن شمس الأئمة : أذان الإمام بنفسه أولى ؛ لأن المؤذن يدعو إلى الله تعالى ، فمن يكون أعلى درجة ، فهو أولى الناس به ، ويروى عن عقبة بن عامر قال : كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فلما زالت الشمس أذن ، وأقام ، وصلى الظهر (وإذا تعذر الجمع ، فالإمامة أولى ، وقال قائلون : الأذان أولى لما نقلناه من فضيلة الأذان) يشير إلى ما تقدم في فضله من الآثار الواردة ، والمعتمد الأول ، فإن قلت : قول سيدنا عمر - رضي الله عنه - : لولا الخليفى لأذنت يدل على أفضلية الأذان ، وهو خلاف ما قررت من أفضلية الإمامة ، فكيف الجمع بينهما ، فالجواب أن هذا لا يستلزم تفضيله عليها ؛ بل مراده لأذنت مع الإمامة لا مع تركها ، فتأمل (ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : الإمام ضامن ، والمؤذن مؤتمن ) قال العراقي : أخرجه أبو داود ، والترمذي من حديث أبي هريرة ، وحكى عن ابن المديني أنه لم يثبت ، ورواه أحمد من حديث أبي أمامة بإسناد حسن . أهـ .

قلت : وأخرجه كذلك ابن حبان في صحيحه ، والبيهقي في السنن ، والكل عندهم زيادة : اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين ، والمصنف - رحمه الله - قد فرق الحديث في موضعين .

وأخرج ابن ماجه ، والحاكم من حديث سهل بن سعد رفعه : "الإمام ضامن " ، وتقدم نقله عن القوت ، وله قصة ذكرت (فقالوا فيها) ، أي : في الإمامة (خطر الضمان) بخلاف الأذان قال الماوردي : يريد بالضمان - والله أعلم - أنه يتحمل سهو المأموم ، كما يتحمل الجهر ، والسورة ، وغيرهما .

(وقال - صلى الله عليه وسلم - : "الإمام أمير ، فإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا " ) . هكذا أورده صاحب القوت ، وقال العراقي : رواه البخاري من حديث أبي هريرة دون قوله : "الإمام أمير " ، وهو بهذه الزيادة في مسند الحميدي ، وهو متفق عليه من حديث أنس دون هذه الزيادة . أهـ .

قلت : كأنه يشير إلى حديث : "إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا " الحديث (وفي الحديث : "فإن أتم ، فله ولهم ، وإن نقص فعليه ولا عليهم " ) ، ولفظ القوت : وفي الحديث : "إذا أتم " ، والباقي سواء ، قال العراقي : أخرجه أبو داود ، وابن ماجه ، والحاكم ، وصححه من حديث عقبة بن عامر ، والبخاري من حديث أبي هريرة : "يصلون لكم ، فإن أصابوا فلكم ، وإن أخطئوا فلكم وعليهم " . أهـ .

قلت : ورواه ابن ماجه ، والحاكم من حديث سهل بن سعد : "ضامن ، فإن أتم فله ، وإن سها فعليه ولا عليهم " ، وحديث عقبة الذي أشار إليه ، فقد أخرجه أحمد أيضا ، ولفظهم جميعا : "من أم الناس فأصاب الوقت وأتم الصلاة فله ولهم ، ومن انتقص من ذلك شيئا فعليه ولا عليهم " .

وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر : "من أم قوما فليتق الله ، وليعلم أنه ضامن مسؤول لما ضمن ، وإن أحسن كان له من الأجر مثل أجر من صلى خلفه من غير أن ينتقص من أجورهم شيء ، وما كان من نقص فهو عليه " (ولأنه - صلى الله عليه وسلم - قال) : "الإمام ضامن ، والمؤذن مؤتمن (اللهم أرشد الأئمة ، واغفر للمؤذنين ") تقدم تخريجه قريبا ، والحديث واحد ، وقد فرقه المصنف في موضعين ، كما ترى (والمغفرة أولى بالطلب) ، وهي ستر الذنوب بالعفو (فإن الرشد) بضم الراء ، وسكون الشين (يراد) ، أي : يطلب (للمغفرة) ، فالرشد إذا تابع المغفرة ، فلذا كان الأفضل (وفي الخبر : من أذن في مسجد سبع سنين وجبت له الجنة بلا حساب ، ومن أذن أربعين عاما دخل الجنة بغير حساب ) قال العراقي : أخرج الترمذي ، وابن ماجه من حديث ابن عباس بالشطر الأول قال الترمذي : حديث غريب . أهـ .

وقد أورد صاحب القوت الجملتين معا ، وتبعه المصنف ، والجملة الأولى التي عزاها لابن عباس أخرجها كذلك أبو الشيخ في كتاب الأذان ، ولفظهم جميعا : "من أذن سبع سنين محتسبا كتبت له براءة من النار " . وزاد الترمذي بعد قوله غريب ضعيف ، فالحديث مذكور هنا بالمعنى وأما لفظ : "وجبت له الجنة " فعند ابن ماجه ، والحاكم من حديث ابن عمر : "من أذن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة " .

التالي السابق


الخدمات العلمية