إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فقد قال صلى الله عليه وسلم : " أئمتكم شفعاؤكم " ، أو قال : " وفدكم إلى الله " ، فإن أردتم أن تزكوا صلاتكم ، فقدموا خياركم وقال بعض السلف : ليس بعد الأنبياء أفضل من العلماء ، ولا بعد العلماء أفضل من الأئمة المصلين لأن هؤلاء قاموا بين يدي الله عز وجل وبين خلقه هذا بالنبوة ، وهذا بالعلم ، وهذا بعماد الدين وهو ، الصلاة .

وبهذه الحجة احتج الصحابة في تقديم أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعنهم للخلافة إذ قالوا : نظرنا فإذا الصلاة عماد الدين ، فاخترنا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا وما قدموا بلالا احتجاجا بأنه رضيه للأذان وما روي أنه قال له رجل : يا رسول الله دلني على عمل أدخل به الجنة قال : كن مؤذنا قال : لا أستطيع قال : كن إماما قال : لا أستطيع قال : صل بإزاء الإمام فلعله ظن أنه لا يرضى بإمامته إذ الأذان إليه ، والإمامة إلى الجماعة ، وتقديمهم له .

ثم بعد ذلك توهم أنه ربما يقدر عليها .


(قال - صلى الله عليه وسلم - : "أئمتكم شفعاؤكم إلى الله " ، أو قال : "وفدكم إلى الله " ، فإن أردتم أن تزكو) ، أي : تنمو (صلاتكم ، فقدموا أخياركم) ، ولفظ القوت : وروينا في خبر غريب أئمتكم وفودكم إلى الله تعالى ، والباقي سواء ، وقال العراقي : أخرجه الدارقطني ، والبيهقي ، وضعف إسناده من حديث ابن عمر ، والبغوي ، وابن قانع ، والطبراني في معاجمهم ، والحاكم من حديث مرثد بن أبي مرثد نحوه ، وهو منقطع ، وفيه يحيى بن يعلى الأسلمي ، وهو ضعيف .

(وقال بعض السلف : ليس بعد الأنبياء أفضل من العلماء ، ولا بعد العلماء أفضل من الأئمة المصلين) ، وفي بعض النسخ : الصالحين (لأن هؤلاء قاموا بين الله وبين خلقه هذا بالنبوة ، وهذا بالعلم ، وهذا بعماد الدين ، وهي الصلاة) . هكذا أورده صاحب القوت بلفظ : وكان بعضهم يقول : ليس بعد الأنبياء إلخ ، ثم قال صاحب القوت : (وبهذه الحجة احتج الصحابة) ، ولفظ القوت : احتج علي (في تقديم أبي بكر - رضي الله عنه - للخلافة) ، ولفظ القوت : في الخلافة لما أهله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (إذ قالوا : نظرنا) ، ولفظ القوت : قال : فنظرنا (فإذا الصلاة عماد الدين ، فاخترنا لدنيانا من رضيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لديننا) ، ولفظ القوت : فرضينا لديننا من رضيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إماما . قال : وبهذه الحجة احتج عمر - رضي الله عنه - على الأنصار في بيعة أبي بكر - رضي الله عنه - ، فقال : أيكم يطيب نفسه أن يتقدم من قدمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إمامه ، وبهذا احتج أبو عبيدة - رضي الله عنه - على أبي بكر ، كما أخذ بيده ، وبيد عمر ، وقال : بايعوا أحد هذين ، فقد رضيت لكم أحدهما ، فقال أبو عبيدة : ما كنت لأصلي أمام من صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلفه ، وقال العراقي : تقديم الصحابة أبا بكر ، وقولهم اخترنا لدنيانا إلخ أخرجه ابن شاهين في شرح مذاهب

[ ص: 176 ] السنة من حديث علي قال : لقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر أن يصلي بالناس ، وإني لشاهد ما أنا بغائب ، ولا بي مرض ، فرضينا لدنيانا ما رضي به النبي - صلى الله عليه وسلم - لديننا . والمرفوع منه متفق عليه من حديث عائشة ، وأبي موسى في حديث قال فيه : "مروا أبا بكر فليصل بالناس " .

قلت : وبهذا استدل أبو حنيفة ، ومحمد في تقديم الأعلم على الأقرأ ؛ لأنه كان ثمة من هو أقرأ من أبي بكر لا أعلم منه ؛ لقوله - عليه السلام - : "أقرؤكم أبي " ، وقول أبي سعيد كان أبو بكر أعلمنا ، وإنما اختار المشايخ هذا القول ؛ لأن الإمامة ميراث نبوي ، فيختار لها من يكون أشبه به خلقا وخلقا ، والقراءة يحتاج إليها لركن واحد ، والعلم يحتاج إليه لجميع الصلاة ، والخطأ المفسد للصلاة في القراءة لا يعرف إلا بالعلم . والله أعلم .

(وما قدموا بلالا) الحبشي - رضي الله عنه - (احتجاجا) منهم (بأنه) - صلى الله عليه وسلم - (رضيه للأذان) قال العراقي : أما المرفوع منه فرواه أبو داود ، والترمذي ، وصححه ، وابن ماجه ، وابن خزيمة ، وابن حبان من حديث عبد الله بن زيد في بدء الأذان ، وفيه : "قم مع بلال ، فألق عليه ما رأيت ، فليؤذن به " الحديث . وأما تقديمهم له بعد موته - صلى الله عليه وسلم - فروى الطبراني أن بلالا جاء إلى أبي بكر ، فقال : يا خليفة رسول الله أردت أن أربط نفسي في سبيل الله حتى أموت ، فقال أبو بكر : أنشدك بالله يا بلال ، وحرمتي ، وحقي لقد كبر سني ، وضعفت قوتي ، واقترب أجلي فأقام بلال معه ، فلما توفي أبو بكر جاء عمر ، فقال له مثل ما قال أبو بكر ، فأبى عليه ، فقال عمر : فمن يا بلال ، فقال : إلى سعد فإنه قد أذن بقباء على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجعل عمر الأذان إلى سعد ، وعقبه ، وفي إسناده جهالة (وما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال له رجل : يا رسول الله دلني على عمل أدخل به الجنة ، فقال : كن مؤذنا ، فقال : لا أستطيع ، فقال له: كن إماما ، فقال : لا أستطيع قال : صل بإزاء الإمام ) . هكذا أورده صاحب القوت ، وقال العراقي : رواه البخاري في التاريخ ، والعقيلي في الضعفاء ، والطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف (فلعله ظن أنه لا يرضى) على البناء للمجهول (بإمامته) ، أي : لا يرضونه (إذ الأذان إليه ، والإمامة إلى الجماعة ، وتقديمهم له ، ثم بعد ذلك توهم أنه ربما يقدر عليها) .

التالي السابق


الخدمات العلمية