إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وكذا الطهارة ظاهرا عن الحدث ، والخبث فإنه لا يطلع عليه ، سواه فإن تذكر في أثناء صلاته حدثا ، أو خرج منه ريح فلا ينبغي أن يستحي بل يأخذ ؛ بيد من يقرب منه ويستخلفه ، فقد تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنابة في أثناء الصلاة فاستخلف واغتسل ، ثم رجع ودخل ، في الصلاة وقال سفيان صل خلف كل بر وفاجر إلا مدمن خمر أو معلن بالفسوق أو عاق لوالديه ، أو صاحب بدعة أو عبد آبق .


(وكذا الطهارة ظاهرا عن الحدث ، والخبث) تقدم بيانهما في أول الكتاب (فإنه لا يطلع على ذلك) ، أي : على اتصافه بأحدهما (منه أحد ، سواه) ، فإن لم يكن مأمونا فيه أفسد على الناس صلاتهم (فإن تذكر في أثناء صلاته حدثا ، أو خرج منه ريح ) حالا (فلا ينبغي أن يستحي ؛ بل ليأخذ

[ ص: 179 ] بيد من يقرب منه ، وليستخلفه) ، ولفظ القوت : وإن حدثت عليه حادثة في الصلاة ، أو ذكر أنه على غير وضوء فزع ، واتقى الله تعالى ، وخرج من صلاته ، آخذا بيد أقرب الناس إليه فاستخلفه في صلاته (فقد تذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه جنب أثناء الصلاة) ، ولفظ القوت : وقد أصاب ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إمام الأئمة خرج من الصلاة ذكر أنه جنب . زاد المصنف على القوت : (فاستخلف ، ثم خرج) ، وهذه زيادة منكرة ، وإنما الذي في القوت بعد قوله : جنب (فاغتسل ، ثم رجع فدخل في الصلاة) ، وهكذا أخرجه أبو داود من حديث أبي بكرة بإسناد صحيح ، وليس فيه ذكر الاستخلاف ، وإنما قال : ثم أومأ إليهم أن مكانكم . نعم ، ورد الاستخلاف من فعل عمر ، وعلي ، وعند البخاري استخلاف عمر في قصة طعنه ، ثم قال صاحب القوت : فإن كان الحادثة في الصلاة فعل ذلك ، وإن كان ذكر أنه دخل في الصلاة على غير طهارة خرج ، ولم يستخلف ، وابتدأ القوم الصلاة .

(وقال سفيان) هو الثوري ، كما يفهم من إطلاقه ، ويحتمل أن يكون ابن عيينة (صل خلف كل بر وفاجر) ، فإن الصلاة خلف الفاجر صحيحة مع كراهة عند أبي حنيفة ، والشافعي ، وسبب الكراهة عدم اهتمامه بأمر دينه ، وقد يخل ببعض الواجبات .

وأخرج الدارقطني ، وابن حبان ، والبيهقي من حديث أبي هريرة صلوا خلف كل بر وفاجر ، وعلى كل بر وفاجر ، وجاهدوا مع كل بر وفاجر ، وطرقه كلها واهية ، وقال الحاكم : منكر .

وأخرج الدارقطني ، وابن عدي ، والطبراني ، وأبو نعيم في الحلية من حديث ابن عمر : "صلوا على من قال : لا إله إلا الله ، وصلوا خلف من قال : لا إله إلا الله " وطرقه كلها ضعيفة (إلا مدمن خمر) ، أي : المداوم على شربها (أو معلن بالفسوق) ، أي : مجاهر به (أو عاق لوالديه ، أو صاحب بدعة) ، أي : مرتكبها ، سواء أحدثها هو ، أو اتبع غيره فيها (أو عبد آبق) من سيده لا لإضرار ، فإن هؤلاء كلهم غير مرضيين عند الله تعالى ، وصلاتهم موقوفة بين السماء والأرض حتى يرجعوا ، أو يتوبوا ، ثم هذا الذي ذكره عن سفيان هو معتقد السلف ، فقد روي ذلك عن إمامنا الأعظم ، وأصحابه ، وعن بقية الفقهاء المشهورين ، وقد عقد اللالكائي بابا في كتاب السنة في ذكر معتقدات السلف ، وروى ذلك بأسانيده إليهم ، فقال في معتقد الثوري بسند إلى شعيب بن حرب حين سأله عن السنة ، فذكر له أشياء منها : يا شعيب لا ينفعك ما كتبت حتى ترى الصلاة خلف كل بر وفاجر ، قال شعيب : فقلت لسفيان : الصلاة كلها ؟ قال : لا ، ولكن صلاة الجمعة ، والعيدين ، صل خلف كل من أدركت ، وأما سائر ذلك ، فأنت مخير ، لا تصلي إلا خلف من تثق به ، وتعلم أنه من أهل السنة ، والجماعة ، وقال في معتقد ابن حنبل : وأمير المؤمنين البر والفاجر ، وصلاة الجمعة خلفه ، وخلف من ولي جائزة تامة ركعتين ، من أعادهما فهو مبتدع تارك للآثار ، مخالف للسنة ، ليس فيه من فضل الجمعة شيء ؛ إذ لم ير الصلاة خلف الأئمة من كانوا : برهم ، وفاجرهم ، والسنة أن تصلي معهم ركعتين ، وتدين بها تامة ، ولا يكن في صدرك من ذلك شك ، وقال في معتقد علي بن المديني بمثل هذا السياق سواء ، وقال في معتقد سهل بن عبد الله التستري : ولا يترك الجماعة خلف كل وال جار ، أو عدل ، وقد عرف من سياق هذه المعتقدات أن المراد بالصلاة في قوله : صلوا خلف فاجر وبر الجمعة ، خاصة إذا كان لا يتقدم للخطبة والصلاة إذ ذاك إلا الأمراء ، والولاة بأنفسهم ، ولما اشتغلوا بأنفسهم ناب عنهم من يصلي بالناس الجمعة ، فرجع الأمر إلى كل صلاة ، وأنها تجوز خلف الفاجر ، وفي قول سفيان : أو صاحب بدعة المراد به البدعة التي لا تكفر صاحبها ، وإلا لم تصح إمامته ، كما قدمناه ، والاقتداء بأهل الأهواء صحيحة ، إلا الجهمية ، والقدرية ، والروافض الغالية ، والخطابية ، ومن يقول بخلق القرآن ، والمشبهة ، ونحوهم ممن تكفره بدعته ، وقد روى محمد ، عن أبي حنيفة ، وأبي يوسف أن الصلاة خلف أهل الأهواء لا تجوز ، والصحيح أنها تجوز على الحكم الذي ذكرنا مع الكراهة .

التالي السابق


الخدمات العلمية