إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما السنن .

فإذا زالت الشمس وأذن المؤذن وجلس الإمام على المنبر انقطعت الصلاة سوى التحية .


(وأما السنن) ، أي : سنن الخطبة ؛ فهي كثيرة أشار المصنف إلى بعضها بقوله : (فإذا زالت الشمس) من كبد السماء ، وهو مذهب الأئمة الثلاثة ، خلافا لأحمد ، ومن تبعه ، فإنه لا يشترط زوالها ، كما تقدم (وأذن المؤذن) الأذان الثاني ، وهو أصل أذان الجمعة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعهد أبي بكر - رضي الله عنهما - ، وأما الأول فزاده عثمان - رضي الله عنه - حين كثر الناس (وجلس الإمام) بعد صعوده (على المنبر) ، والسنة أن يكون المنبر على يمين الموضع الذي يصلي فيه الإمام ، ويكره المنبر الكبير الذي يضيق على المصلين إذا لم يكن المسجد متسع الخطة ، فإن لم يكن منبر خطب على موضع مرتفع . قاله

[ ص: 228 ] الرافعي ، وهل يأتي الخطيب قبل دخول الوقت ، أو بعده ؟ الأول هو الظاهر لكونه متبوعا ، والقوم ينتظرونه .

والثاني هو المعمول به من مدة أزمان ، فإن كان في المسجد بيت خطابة كموضع مستقل في قبلة المسجد على يمين المنبر ، فيجلس فيه ، ومعه المرقي ، فإذا قرب الوقت خرج الخطيب ، وقدامه المرقي ماسكا السيف ، أو العصا ، فإذا وصل إلى باب المنبر أخذ السيف ، أو العصا بيمينه من المرقي فيعتمد عليه ، ويصعد درج المنبر ، وهذا من شعائر الدين ، فإن لم يكن بيت خطابة فيأتي كغيره من المصلين قبل الوقت ، ويجلس في الصفوف التي تجاه المنبر ، وينتظر دخول الوقت ، فيأتي المرقي ، ويقف على باب المنبر فيتحرك من موضعه ، ويتوجه إلى المنبر ، ويتناول منه السيف ، أو العصا ، ويصعد ، فإذا استقر به الجلوس على المنبر حال الأذان بين يديه (انقطعت الصلاة) ، أي : ينبغي لمن ليس في صلاة من الحاضرين إذا صعد الخطيب على المنبر أن لا يفتتحها ، سواء كان صلى السنة أم لا ، ومن كان في صلاة خففها ؛ لأن الاشتغال بها يفوت سماع أول الخطبة إلى أن يتمها .

قال النووي : وسواء في المنع من افتتاح الصلاة في حال الخطبة من يسمعها ، وغيره (سوى التحية) للداخل ، فإنه يستحب له أن يصليها ، ويخففها ، فلو كان ما صلى السنة صلاها ، وحصلت التحية ، ولو دخل والإمام في آخر الخطبة لم يصل ؛ لئلا يفوته أول الجمعة مع الإمام ، وسواء في استحباب التحية قلنا : يجب الإنصات أم لا ؟ ونقل النووي ، عن العمراني ، وابن الصباغ أنه يستحب للخطيب إذا وصل إلى المنبر أن يصلي تحية المسجد ، ثم يصعد قال : وهذا الذي قالاه غريب ، وشاذ ، ومردود ، فإنه خلاف ظاهر المنقول من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والخلفاء الراشدين ، ومن بعدهم ، وقال صاحب القنية من أصحابنا : دخوله المسجد بنية الفرض ينوب عن تحية المسجد ، وإنما يؤمر بتحية المسجد إذا دخله لغير الصلاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية