إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فأما شروط الوجوب ، فلا تجب الجمعة إلا على ذكر بالغ عاقل مسلم حر مقيم في قرية تشتمل على أربعين جامعين لهذه الصفات .


ثم قال المصنف رحمه الله تعالى : (هذه شروط الصحة) يشير إلى ما ذكره أولا قبل بيان السنن .

(فأما شروط الوجوب ، فلا تجب إلا على كل ذكر بالغ عاقل مسلم حر مقيم) ؛ أي : فيمن تلزمه الجمعة لستة شروط ؛ أحدها : الذكورة ، فلا جمعة على امرأة ، ولا خنثى ، وإن كان قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا الآية شمل المرأة ، لكن خصت بقوله تعالى : وقرن في بيوتكن . هكذا قرره أصحابنا ، والثاني : البلوغ ، فلا جمعة على صبي ، والثالث : العقل ، فلا جمعة على مجنون .

قال النووي : والمغمى عليه كالمجنون ، بخلاف السكران ، فإنه يلزمه قضاؤها ظهرا كغيرها ، والرابع : الإسلام ، فلا جمعة على الكافر ، ولم يذكر أصحابنا العقل ، والبلوغ من شرائط الوجوب نصا عليهما ؛ لأنهما ليسا خاصين بالجمعة ، وفي الوجيز للمصنف فيمن تلزمه الجمعة لوجوبها خمسة شروط ؛ أحدها : التكليف ، فلا جمعة على صبي ، ومجنون ، وتبعه في الروضة ، وفي المنهاج : إنما يتعين على كل مكلف حر ذكر مقيم بلا مرض ونحوه ، فإذا قلنا : إن التكليف يشمل البلوغ ، والعقل ، والإسلام ، فيكون شرطا واحدا يشمل ثلاثة من الستة ، وهذا أولى من ذكر كل واحد منها مستقلا ، فتأمل . الخامس : الحرية ، فلا جمعة على عبد ؛ قن ، أو مدبر ، أو مكاتب ، وكل من هؤلاء الثلاثة داخل في لفظ العبد ، وإن كان في المنهاج قال : ولا جمعة على معذور بمرخص في ترك الجماعة ، والمكاتب ، وكذا من بعضه رقيق على الصحيح قال الأذرعي : إنما خص المكاتب بالذكر يشير إلى خلاف من أوجبها عليه دون القن ، فتأمل ، والسادس : الإقامة (في قرية تشتمل على أربعين) من الرجال (جامعين لهذه الصفات) ، فلا جمعة على مسافر سفرا مباحا ، ولو قصيرا لاشتغاله ، لكن يستحب له ، وللعبد ، والصبي حضورها إذا أمكن ، وقد روي مرفوعا : لا جمعة على مسافر ، لكن قال البيهقي : والصحيح وقفه على ابن عمر . وذكر المصنف في الوجيز ، وتبعه الرافعي ، والنووي : الصحة من جملة شروط الوجوب ، ولم ينص عليه هنا ، كما سيأتي ذكره في جملة الأعذار المسقطة .

وأخرج أبو داود ، وغيره حديثا مرفوعا : الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة : عبد مملوك ، أو امرأة ، أو صبي ، أو مريض . وروى البيهقي : الجمعة واجبة إلا على صبي ، أو مملوك ، أو مسافر . وقول المصنف : مقيم في قرية فيه خلاف لأصحابنا ، فإنهم قالوا : شرط الوجوب الإقامة بمصر ، فخرج بذلك الإقامة بالقرى ، فلا جمعة عليهم ، وتقدم دليل ذلك من حديث علي : لا جمعة ، ولا تشريق . الحديث ، وصححه ابن حزم ، وذكره صاحب الهداية مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . وفناء المصر له حكم المصر ، فلا يجب على من هو خارج الربض ، كما في ظاهر الرواية ، والمراد بمن هو خارج أهل السواد .

التالي السابق


الخدمات العلمية