إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
أو في قرية من سواد البلد يبلغها نداء البلد من طرف بابها والأصوات ساكنة والمؤذن رفيع الصوت لقوله تعالى : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع .


ثم قال المصنف : (أو في قرية من سواد البلد يبلغها نداء البلد من طرف يليها) ، وبه قال مالك ، وأحمد ، وقال أبو حنيفة : لا تجب عليهم ، وإن كان النداء يبلغهم . هكذا رواه الفقيه أبو جعفر الهندواني ، عن أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، وهو اختيار شمس

[ ص: 233 ] الأئمة الحلواني
، ونقله قاضيخان ، وفي التتارخانية في ظاهر روايات أصحابنا لا تجب الجمعة على أهل السواد ، سواء كان السواد قريبا من المصر ، أو بعيدا ، وفي التجنيس ، والمزيد لا تجب الجمعة على أهل القرى ، وإن كانوا قريبا من المصر ؛ لأن الجمعة إنما تجب على أهل الأمصار ، ويروى عن أبي يوسف أنها تجب على من كان داخل الحد الذي لو فارقه يثبت له حكم الفطر ، ومن وصل إليه يثبت له حكم الإقامة ، وهو أصح ما قيل فيه ؛ لأن الجمعة على أهل المصر بالنص ، وأهله من كان في هذا الحد ، ثم اختلفوا في حد السواد الذي هو خارج المصر ، فأطلقه الشافعي ، وحدده أصحابه بما ذكره المصنف ، وهو أن يبلغها نداء البلد من طرف يليها (والأصوات ساكتة) ؛ أي : لا لغط فيها ، والرياح راكدة (والمؤذن صيت) ؛ أي : رفيع الصوت عاليه يقف على طرف البلد من الجانب الذي يلي تلك القرية ، ويؤذن على عادته ، فهذا حد ، وحده مالك ، وأحمد بفرسخ ، وحده أبو حنيفة بثلث فرسخ ، على أن صاحب البدائع من أصحابنا قد ذكر قولا في المذهب ، وصححه أنه إن أمكنه أن يحضر الجمعة ، ويبيت بأهله من غير تكلف تجب عليه ، ولكن هذا مخالف للنصوص المشهورة المرجحة في المذهب عن الإمام ، وصاحبيه ، واختيار جمهور المحققين ، وأنه لا عبرة ببلوغ النداء ، ولا بالغلوة ، ولا بالأميال ، فينبغي أن يكون قول صاحب البدائع شاذا ، واستدل المصنف على إيجابها على أهل السواد الذين يبلغهم النداء بالآية ، فقال : (لقوله تعالى : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا ) إلى ذكر الله تعالى ، وهو استدلال حسن مفرع على سماع الصوت من المنادي بالشروط المذكورة ، وشرط فيمن يصغي إليه أن لا يكون أصم ، وأن لا يجاوز سمعه حد العادة .

قال الرافعي : وفي وجه المعتبر أن يقف المؤذن في وسط البلد ، ووجه يقف على موضع عال كمنارة ، وسور ؛ وجهان قال : الأكثرون لا يعتبر ، وقال القاضي أبو الطيب : سمعت شيوخنا يقولون لا يعتبر إلا بطبرستان ؛ لأنها بين أشجار ، وغياض تمنع بلوغ الصوت . أما إذا كانت قرية على قلة جبل يسمع أهلها النداء ؛ لانخفاضها بحيث لو كانت على استواء لسمعوا ، فوجهان أصحهما ، وبه قال القاضي أبو الطيب : لا تجب الجمعة في الصورة الأولى ، وتجب في الصورة الثانية اعتبارا بتقدير الاستواء ، والثاني ، وبه قال الشيخ أبو حامد : عكسه اعتبارا بنفس السماع ، وأما إذا لم يبلغ النداء أهل القرية ، فلا تجب عليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية