إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الرابع قراءة القرآن فليكثر منه وليقرأ سورة الكهف خاصة .

فقد روي عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهما أن : من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة ، أعطي نورا من حيث يقرؤها إلى مكة ، وغفر له إلى الجمعة الأخرى ، وفضل ثلاثة أيام ، وصلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح ، وعوفي من الداء ، والدبيلة ، وذات الجنب والبرص ، والجذام ، وفتنة الدجال .


(الرابع قراءة القرآن) ، فقد وردت فيه أخبار، وسيأتي بعضها فيما بعد (فليكثر منه) ؛ أي: من القرآن (وليقرأ سورة الكهف خاصة، فقد روى ابن عباس، وأبو هريرة -رضي الله عنهم- مرفوعا) ؛ أي: رفعاه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (قال: من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة، أو يوم الجمعة أعطي نورا من حيث يقرؤها إلى مكة، وغفر له إلى الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام، وصلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وعوفي من الداء، والدبيلة، وذات الجنب

[ ص: 292 ] والبرص، والجذام، وفتنة الدجال)
لفظ القوت: وروى ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، وأبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : من قرأ، فساقه، والمصنف تبعه في هذا السياق بتمامه، وقال العراقي: لم أجده في حديثهما، وللبيهقي نحوه من حديث أبي سعيد. اهـ .

قلت: أما حديث أبي هريرة، فوجدته عند الديلمي في مسند الفردوس، أخرجه من حديثه يرفعه بلفظ: من قرأ سورة الكهف في ليلة الجمعة أعطي نورا من حيث مقامه إلى مكة، وصلت عليه الملائكة حتى يصبح، وعوفي من الداء، والدبيلة، وذات الجنب، والبرص، والجنون، والجذام، وفتنة الدجال. قال الحافظ بن حجر: فيه إسماعيل بن أبي زياد متروك، كذبه الدارقطني.

وأما حديث ابن عباس، فأخرجه أبو الشيخ الأصبهاني، لكن لفظه يخالف سياق المصنف، قال: من قرأ عشر آيات من سورة الكهف ملئ من قرنه إلى قدمه إيمانا، ومن قرأها في ليلة جمعة كان له نور كما بين صنعاء، وهذي، ومن قرأها في يوم جمعة قدم أو أخر حفظ إلى الجمعة الأخرى، فإن خرج الدجال فيما بينهما لم يتبعه.

وأما حديث أبي سعيد الذي أشار إليه العراقي، وقال: روي نحوه، فلفظه عند الحاكم في التفسير، والبيهقي في السنن بلفظ: من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين، أورده الحاكم من طريق نعيم بن حماد، عن هشيم، عن أبي هاشم، عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، عن أبي سعيد، وقال: صحيح، وقال الذهبي: بل نعيم بن حماد ذو مناكير، وقال الحافظ بن حجر في تخريج الأذكار: هو حديث حسن، وهو أقوى ما ورد في قراءة سورة الكهف. اهـ .

قلت: وعند البيهقي أيضا من حديث أبي سعيد بلفظ: من قرأ سورة الكهف كما أنزلت كانت له نورا يوم القيامة من مقامه إلى مكة، ومن قرأ عشر آيات من آخرها، ثم خرج الدجال لم يسلط عليه، وهكذا رواه الطبراني في الأوسط، والحاكم، وابن مردويه، والضياء في شعب الإيمان للبيهقي من حديث أبي سعيد مرفوعا، وموقوفا من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق.

قلت: وقفه سعيد بن منصور، والدارمي على أبي سعيد، وقال البيهقي: رواه عن الثوري، عن أبي هاشم موقوفا، ورواه يحيى بن أبي كثير، عن شعبة، عن أبي هاشم مرفوعا .

قال الذهبي في المهذب: ووقفه أصح، وقال الحافظ بن حجر: رجال الموقوف في طرقه كلها أكثر من رجال المرفوع، وقد روي ذلك أيضا من حديث علي، وابن عمر، عن عائشة، ومعاذ بن أنس، وعبد الله بن عقيل؛ أما حديث علي، فأخرجه ابن مردويه، والضياء بلفظ: من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة تكون، فإن خرج الدجال عصم منه. وأورده عبد الحق في أحكامه، وقال: سنده مجهول .

وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن مردويه، ومن طريقه الضياء بلفظ: من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء له يوم القيامة، وغفر له ما بين الجمعتين، وأما حديث عائشة، فأخرجه ابن مردويه بلفظ: من قرأ من سورة الكهف عشر آيات عند منامه عصم من فتنة الدجال، ومن قرأ خاتمتها عند رقاده كان له نورا من لدن قرنه إلى قدمه يوم القيامة، وأخرجه من وجه آخر قالت عائشة رفعته: ألا أخبركم بسورة عظمتها ما بين السماء والأرض، ولكاتبها من الأجر مثل ذلك، ومن قرأها يوم الجمعة غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام، ومن قرأ العشر الأواخر منها عند نومه بعثه الله أي الليل شاء؟ قالوا: بلي يا رسول الله. قال: سورة أصحاب الكهف.

وأما حديث معاذ، عن أنس، فأخرجه أحمد، والطبراني في الكبير، وابن السني، وابن مردويه بلفظ: من قرأ أول سورة الكهف، وآخرها كانت له نورا من قدمه إلى رأسه، ومن قرأها كلها كانت له نورا ما بين الأرض والسماء. وروي في الباب، عن أبي الدرداء، أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح، ولفظه: من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال. ويروى: من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال. وهكذا أخرجه أبو عبيد في الفضائل، وأحمد، ومسلم، والنسائي، وابن حبان، وروي اللفظ الأخير أيضا عن ثوبان، وهكذا هو عند النسائي، وأبي يعلى، والروياني، والضياء.

وأما حديث عبد الله بن مغفل، فأخرجه ابن مردويه عنه رفعه: البيت الذي تقرأ فيه سورة [ ص: 293 ] الكهف لا يدخله شيطان تلك الليلة.

(تنبيهات) :

الأول: وقع في بعض روايات هذا الحديث يوم الجمعة، وفي أخرى ليلة الجمعة، ويجمع بأن المراد اليوم بليلته، والليلة بيومها، وأما الجمع بينهما - كما في حديث ابن عباس - فضعيف جدا أشار إليه الحافظ في أماليه .

الثاني: نقل الحافظ، عن أبي عبيد قال: وقع في رواية شعبة: من قرأها كما أنزلت، وأوله على أن المراد يقرؤها بجميع وجوه القراءات، قال: والمتبادر أنه يقرؤها كلها بغير نقص حسا، ولا معنى، وقد يشكل عليه ما ورد من زيادات أحرف ليست في المشهور؛ مثل: سفينة صالحة، وأما الغلام فكان كافرا، ويجاب بأن المراد المتعبد بتلاوته .

الثالث: في حديث ابن عباس: عوفي من الداء. وهو المرض عامة، وما ذكر بعده من الأمراض فمن باب التخصيص بعد العموم، والدبيلة كجهينة عند الأطباء كل ورم في داخله موضع تنصب إليه المادة، وذات الجنب، ورم حار في العضلات الباطنة، والحجاب المستبطن، ويلزمه حمى حادة لقربه من القلب، وتسمى الشوحة؛ أعاذنا الله منها، والبرص عبارة عن سوء مزاج يحصل بسببه فساد بلغم يضعف القوة المغيرة إلى لون الجسد، والجذام بالضم داء يقطع اللحم ويسقطه؛ أعاذنا الله من ذلك كله، واللام في الدجال للعهد، وهو الذي في آخر الزمان، ويدعي الألوهية إلى نفسه، ويجوز أن يكون الجنس؛ لأن الدجال من يكثر منه الكذب، والتلبيس، ومنه في الحديث: يكون في آخر الزمان دجاجلة كذابون. والأول أعرف .

الرابع: في تخصيص سورة الكهف بهذه المزية في يوم الجمعة، أو ليلتها؛ لما في أولها من الآيات الدالة على توحيد الحق، وكذلك النهي عن الشرك في آخرها، والدجال يدعي الربوبية، ومن جملة آياتها أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء ، فمن تأملها؛ بل السورة من أولها، وآخرها لم يفتن بالدجال، وذلك إذا تدبرها حق التدبر قوي إيمانه، ولم يغتر بتلبيس الدجاجلة. والله أعلم .

الخامس: المتبادر إلى الأذهان أن ليس المطلوب قراءته ليلة الجمعة، ويومها إلا الكهف، وعليه العمل في الزوايا، والمدارس، وليس كذلك، فقد وردت أحاديث في قراءة غيرها يومها، وليلتها؛ منها ما رواه التميمي في الترغيب في قراءة سورة البقرة، وآل عمران في ليلة الجمعة كان له من الأجر كما بين لبيدا إلى الأرض السابعة، وعروجا إلى السماء السابعة، وهو غريب ضعيف .

وما رواه الطبراني في الأوسط، عن ابن عباس رفعه: من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه، وملائكته حتى تحجب الشمس. وسنده ضعيف أيضا، وما رواه أبو داود، عن ابن عباس من قرأ سورة "يس"، والصافات ليلة الجمعة أعطاه الله سؤله، وفيه انقطاع، وما رواه ابن مردويه، عن كعب رفعه: اقرؤوا سورة هود يوم الجمعة، وهو مرسل، وسنده صحيح، وما رواه الترمذي، عن أبي هريرة: من قرأ "حم الدخان" ليلة الجمعة غفر له، وفيه انقطاع، وما رواه الطبراني في الكبير، عن أبي أمامة: من قرأ "حم الدخان" في ليلة جمعة، أو يوم جمعة بنى الله له بيتا في الجنة. والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية