إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الباب السادس: في مسائل متفرقة تعم بها البلوى ، ويحتاج المريد إلى معرفتها .

فأما المسائل التي تقع نادرة فقد استقصيناها في كتب الفقه .

مسألة .

الفعل القليل ، وإن كان لا يبطل الصلاة ، فهو مكروه إلا لحاجة وذلك في دفع المار وقتل العقرب التي تخاف ويمكن قتلها بضربة ، أو ضربتين فإذا صارت ثلاثة فقد كثرت ، وبطلت الصلاة .


(الباب السادس في) ذكر (مسائل متفرقة)

أي: من غير ترتيب (تعم بها البلوى، ويحتاج المريد إلى معرفتها) ، والكشف عنها بالمراجعة، والاستفتاء (فأما المسائل التي تقع نادرة) في بعض الأحيان (فقد استقصيناها في كتب الفقه) الأربعة البسيط، والوسيط، والوجيز، والخلاصة .

(مسألة) : تتعلق بأفعال المصلي وحركاته في الصلاة صحة وفسادا

اعلم أن (الفعل القليل، وإن كان لا يبطل الصلاة، فهو مكروه) قال صاحب العوارف: وفي رخصة الشرع ثلاث حركات متواليات جائز، وأرباب العزيمة يتركون الحركة في الصلاة جملة، وقد حركت يدي في الصلاة، وعندي شخص من الصالحين، فلما انصرفت من الصلاة أنكر علي، وقال: عندنا أن العبد إذا وقف في الصلاة ينبغي أن يبقى جمادا مجمدا لا يتحرك منه شيء .

قلت: وفي قوله: ثلاث حركات فيه نظر (إلا لحاجة) داعية للحركة (وذلك في دفع المار) بين يديه، بأن يدفعه في صدره ليتأخر، لما ورد من حديث أبي سعيد: فإن أبى، فليقاتله، فإنه شيطان. وقد تقدم ذلك. قال الرافعي في الشرح: وللمصلي أن يدفع المار بين يديه في صلاته، ويضربه على المرور، وإن أدى إلى قتله، ولو لم تكن سترة، أو كانت، وتباعد منها، فالأصح أنه ليس له الدفع لتقصيره .

قال النووي: قلت: ولا يحرم حينئذ المرور بين يديه، ولكن الأولى تركه. والله أعلم .

ثم قال الرافعي: ولو وجد الداخل فرجة في الصف الأول، فله أن يمر بين يدي الصف الثاني، ويقف فيها؛ لتقصير أصحاب الثاني بتركها. قال إمام الحرمين: والنهي عن المرور، والأمر بالدفع إذا وجد المار سبيلا سواه، فإن لم يجد وازدحم الناس، فلا ينهى عن المرور، ولا يشرع الدفع، وتابع الغزالي إمام الحرمين على هذا، وهو مشكل، ففي الحديث الصحيح في البخاري خلافه، وأكثر كتب الأصحاب ساكتة عن التقييد بما ذكر. قال النووي: الصواب أنه لا فرق بين وجود السبيل، وعدمه، فحديث البخاري صريح في المنع، ولم يرد شيء يخالفه، ولا في كتب المذهب لغير الإمام ما يخالفه. والله أعلم .

قلت: وفي كتب أصحابنا ما يوافق قول إمام الحرمين والغزالي دفعا للحرج. قالوا: ويدرأ المار بالإشارة، أو التسبيح، ويكره الجمع بينهما؛ لأن بأحدهما كفاية (أو قتل عقرب يخافه) ، وفي نسخة: عقرب التي تخاف، أي: بأن قصدت المصلي، أو مرت على بعض أعضائه، أو نحو ذلك (ويمكن قتله) كذا في النسخ، والصواب: قتلها (بضربة، أو ضربتين) بنعله، أو بشيء آخر عنده (فإذا صارت ثلاثا كثرت، وبطلت الصلاة) ؛ لأن العمل الكثير يبطل الصلاة، وقد جاءت أخبار عن قتل العقرب في الصلاة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم عن أصحابه، وأتباعهم. قال أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف: حدثنا ابن عيينة، عن معمر، عن يحيى، عن جهضم، عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بقتل الأسودين في الصلاة: الحية، والعقرب.

قلت: أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح، ثم قال: حدثنا معتمر، عن برد، عن سليمان بن موسى قال: رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلا يصلي جالسا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : لم تصلي جالسا؟ فقال: إن عقربا لسعني قال: فإذا رأى أحدكم عقربا، وإن كان في الصلاة، فليأخذ نعله اليسرى، فليقتلها.

وأخرج عن ابن أبي ليلى أن عليا قتلها وهو في الصلاة، وعن ابن عيينة، عن عبد الله بن دينار، أن ابن عمر رأى ريشة وهو يصلي، فحسب أنها عقربا فضربها بنعله، وعن أبي العالية أنه قتلها وهو يصلي، وعن فضيل، عن إبراهيم قال: في العقرب يراها الرجل في الصلاة قال: اصرفها عنك. قلت: فإن أبت؟ قال: اصرفها عنك. قلت: فإن أبت؟ قال: فاقتلها، واغسل مكانها الذي تقتلها فيه، وعن مورق أنه قتلها وهو يصلي، وعن مغيرة، عن إبراهيم سئل عن قتل العقرب في الصلاة، فقال: إن في الصلاة لشغلا. اهـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية