إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
مسألة .

حق على من حضر الصلاة إذا رأى من غيره إساءة في صلاته أن يغيره وينكر عليه .

وإن صدر من جاهل رفق بالجاهل وعلمه .

فمن ذلك الأمر بتسوية الصفوف ومنع المنفرد بالوقوف خارج الصف والإنكار على من يرفع رأسه قبل الإمام إلى غير ذلك من الأمور .

فقد قال صلى الله عليه وسلم : " ويل للعالم من الجاهل حيث لا يعلمه " وقال ابن مسعود رضي الله عنه : من رأى من يسيء صلاته فلم ينهه فهو شريكه في وزرها .

وعن بلال بن سعد أنه قال : الخطيئة إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها فإذا أظهرت فلم تغير أضرت بالعامة .

وجاء في الحديث أن بلالا كان يسوي الصفوف ويضرب عراقيبهم بالدرة .


( مسألة) :

وهي الحادية عشر وهي آخر المسائل في الأمر بالمعروف؛ ومنها تسوية الصفوف، وفضل الجماعة، وفضل الصف الأيمن، وغير ذلك؛ قال رحمه الله تعالى: ( حق على من حضر الصلاة) مع الجماعة في مسجد من المساجد ( إذا رأى من غيره الإساءة) وفي نسخة ما ساءه ( في صلاته أن يغيره) بلسانه وبيده إن أمكنه ( وينكر عليه) إساءته، ( فإن صدر) من أحد من المصلين ما صدر منه ( عن جهل رفق بالجاهل) من غير غلظة ولا جفاء ( وعلمه) ما جهله، فيقول له: الوارد في السنة كذا، والعلماء صرحوا في كتبهم كذا، أو المناسب هكذا، أو ما أشبه ذلك ( فمن ذلك الأمر بتسوية الصفوف) عند إقامة الصلاة، ( و) من ذلك ( منع المنفرد بالوقوف خارج الصف) وحده مع وجود السعة في الصف، ( و) منها ( الإنكار على من يرفع رأسه قبل الإمام) من سجوده أو ركوعه أو يهوي بالسجود قبل أن يضع الإمام جبهته بالأرض، ( إلى غير ذلك من الأمور) التي تتعلق بمتابعة المأموم الإمام ( فقد قال صلى الله عليه وسلم: "ويل للعالم من الجاهل حيث لا يعلمه") .

قال العراقي: أخرجه الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس بسند ضعيف ا.هـ .

قلت: لفظ الحديث عنده: "وويل للعالم من الجاهل، وويل للجاهل من العالم" وهكذا رواه أيضا أبو يعلى الموصلي. وأما قوله: "حيث لا يعلمه" فليس من أصل الحديث، والمعنى: ويل للعالم من الجاهل حيث لم يعلمه معالم الدين ولم يرشده إلى طريقه المبين مع أنه مأمور بذلك، وويل للجاهل من العالم حيث أمره بمعروف أو نهاه عن منكر فلم يأتمر بأمره، ولم ينته بنهيه؛ إذ العالم حجة الله على خلقه .

ومعنى الويل الخسران، وفي حديث أبي سعيد عن أحمد وابن حبان والحاكم: "ويل: وادي جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره" .

( وقال) عبد الله ( بن مسعود رضي الله عنه: من رأى من يسيء بصلاته فلم ينهه) أي عن إساءته ( فهو شريكه في وزرها) .

والأصل في هذا حديث أبي سعيد عند أحمد والأربعة وابن حبان: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع أن يغيره بيده فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه [ ص: 328 ] وذلك أضعف الإيمان".

( وعن بلال بن سعد) القاص تابعي روى عن أبيه ومعاوية وجابر، وعنه الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وعدة، كان عابدا عالما واعظا قارئا توفي في حدود سنة 120 ( أنه قال: الخطيئة إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها فإذا ظهرت) للناس ( فلم تغير) أي لم ينكر عليها أحد منهم ( أضرت بالعامة) وصاروا شركاء في الوزر .

( وجاء في الحديث أن بلالا) رضي الله عنه ( كان يسوي الصفوف) في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ( ويضرب عراقيبهم) جمع عرقوب مؤخر الرجل ( بالدرة) بكسر الدال السوط. قال العراقي: لم أجده اهـ .

قلت: ووجدت في المصنف لأبي بكر بن أبي شيبة ما نصه: حدثنا ابن نمير، عن الأعمش ، عن عمران، عن سويد، عن بلال، قال: كان يسوي مناكبنا بأقدامنا في الصلاة .

وحدثنا أبو معاوية عن عاصم عن أبي عثمان قال: ما رأيت أحدا كان أشد تعاهدا للصف من عمران، كان يستقبل القبلة، حتى إذا قلنا قد كبر التفت فنظر إلى المناكب والأقدام، وإن كان ليبعث رجالا يطردون الناس حتى يلحقوهم بالصفوف .

وحدثنا وكيع، عن عمران بن حذير، عن أبي عثمان قال: كنت فيمن يقيم عمر بن الخطاب قدامه لإقامة الصف.

التالي السابق


الخدمات العلمية