إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ثم يخطب خطبتين بينهما جلسة .


( ثم يخطب خطبتين) أي: إذا فرغ الإمام من صلاة العيد صعد المنبر، وأقبل على الناس بوجهه، وسلم، وهل يجلس قبل الخطبة؟ وجهان: الصحيح المنصوص يجلس كهيئة الجمعة، ثم يخطب خطبتين أركانهما كأركانهما في الجمعة، ويقوم فيهما ( بينهما جلسة) كالجمعة، لكن يجوز هنا القعود فيهما مع القدر على القيام، قال الحافظ ابن حجر : وقول الرافعي يجلس بينهما كالجمعة مقتضاه أنه احتج بالقياس، وقد ورد فيه حديث مرفوع رواه ابن ماجه عن جابر، وفيه إسماعيل بن مسلم، وهو ضعيف. اهـ .

وكون الخطبة بعد الصلاة مأخوذة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أخرج البخاري ومسلم من طريق ابن جريج، عن عطاء، عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة. وعن عطاء، عن ابن عباس أنه أرسل إلى ابن الزبير في أول ما بويع له أنه لم يكن يؤذن بالصلاة يوم الفطر، وإنما الخطبة بعد الصلاة، وعن عطاء، عن ابن عباس وجابر قالا: لم يكن يؤذن يوم الفطر، ولا يوم الأضحى .

وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة نحوه .

وأخرج الشيخان وأبو داود عن طاوس عن ابن عباس قال: شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، كلهم يصلون قبل الخطبة، وأخرجا أيضا عن نافع، عن ابن عمر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة.

وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة والبخاري عن الشعبي عن البراء: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة.

وأخرج ابن أبي شيبة عند جندب بن عبد الله مثله. وعن الزهري عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، قال: ثم شهدت العيد مع عثمان، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، قال: وشهدته مع علي فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، وعن حميد بن أنس قال: كانت الصلاة في العيدين قبل الخطبة. وعن ابن أبي ليلى قال: صلى بنا العيد، ثم خطب على راحلته، وعن أبي حمزة مولى يزيد بن المهلب أن مطر بن ناجية سأل سعيد بن جبير عن الصلاة يوم الأضحى ويوم الفطر، فأمره أن يصلي قبل الخطبة، فاستنكر الناس ذلك، فقال سعيد: هي والله معروفة، هي والله معروفة .

( تنبيه) :

قد اختلف في أول من غير هذا فقدم الخطبة على الصلاة؛ فقيل: عمر بن الخطاب؛ رواه عبد الرازق وأبو بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح من طريق عبد الله بن يوسف بن سلام قال: كان الناس يبدءون بالصلاة، ثم يثنون بالخطبة، حتى إذا كان عمر وكثر الناس في زمانه، فكان إذا ذهب يخطب ذهب حفاة الناس، فلما رأى ذلك عمر بدأ بالخطبة حتى ختم بالصلاة. وقيل: معاوية. رواه عبد الرازق، وقيل: عثمان؛ لأنه رأى ناسا لم يدركوا الصلاة فصار يقدم الخطبة. رواه ابن المنذر بإسناد صحيح إلى الحسن البصري. وقيل: مروان بن الحكم، رواه أبو بكر بن أبي شيبة ، ومسلم من طريق قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل، فقال: الصلاة قبل الخطبة. فقال: ترك ما هنالك. فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه .

وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة من طريق الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه قال: أخرج مروان المنبر، وبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام إليه رجل فقال: يا مروان، خالفت السنة، أخرجت المنبر ولم يكن يخرج، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة. فقال أبو سعيد: من هذا؟ قالوا: فلان. فقال: أما هذا فقد قضى ما عليه.

قلت: والظاهر أن مروان وزيادا فعلا ذلك تبعا لمعاوية؛ لأن كلا منهما كان عاملا له، وإن العلة التي اعتل بها عثمان غير التي اعتل بها مروان؛ لأنه راعى مصلحتهم في استماع الخطبة، لكن قيل: إنهم كانوا في زمنه يتعمدون ترك سماع [ ص: 396 ] خطبته لما فيها من سب من لا يستحق السب، والإفراط في مدح بعض الناس، فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه، وأما عثمان فراعى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة، على أن يحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك أحيانا بخلاف مروان فإنه واظب على ذلك، وقال الحافظ في فتح الباري: وما نسب إلى عمر في ذلك يعارضه ما في الصحيحين من حديث ابن عباس : فإن جمع بوقوع ذلك نادرا وإلا ما في الصحيحين أصح، والله أعلم .

وقال الشيخ الأكبر قدس سره في كتاب الشريعة والحقيقة: والسنة ترك الأذان والإقامة إلا ما أحدثه معاوية على ذكره ابن عبد البر في أصح الأقاويل في ذلك، والسنة تقديم الصلاة على الخطبة في هذا اليوم إلا ما فعله عثمان بن عفان، وبه أخذ عبد الملك بن مروان؛ نظرا واجتهادا، وبناء على ما فهم من الشارع من المقصود من الخطبة ما هو، والاعتبار في ذلك أنه لما توفرت الدواعي على الخروج في هذا اليوم إلى المصلى من الصغير والكبير، وما شرع من الذكر المستحب للخارجين، سقط حكم الأذان والإقامة؛ لأنهما للإعلام لتنبيه الغافل، والتهيؤ هنا حاصل، فحضور القلب مع الله يغني عن إعلام الملك بلمته الذي هو بمنزلة الأذان، والإقامة للإسماع، والذي أحدثه معاوية مراعاة للنادر، وهو تنبيه الغافل؛ فإنه ليس ببعيد أن يغفل عن الصلاة بما يراه من اللعب بالتفرج فبه، وكانت النفوس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم متوفرة على رؤيته صلى الله عليه وسلم، وفرجتها في مشاهدة، وهو الإمام فلم يكن يشغلهم، عن التطلع إليه شاغل في ذلك اليوم، فلم يشرع لهم أذانا، ولا إقامة. وأما تقديم الصلاة على الخطبة؛ فإن العبد في الصلاة مناج ربه، وفي الخطبة مبلغ للناس ما أعطاه ربه من التذكير في مناجاته، فكانت الأولى تقديم الصلاة على الخطبة، وهي السنة، فلما رأى عثمان رضي الله عنه أن الناس يفترقون إذا فرغوا من الصلاة، ويتركون الجلوس إلى استماع الخطبة، قدم الخطبة؛ مراعاة لهذه الحالة على الصلاة؛ تشبيها بصلاة الجمعة؛ فإنه فهم من الشارع في الخطبة إسماع الحاضرين، فإذا افترقوا لم تحصل الخطبة لما شرعت له، فقدمها ليكون لهم أجر الاستماع، ولو فهم عثمان من النبي صلى الله عليه وسلم خلاف هذا ما فعله رضي الله عنه واجتهد، ولم يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ما يمنع منه، ولقرائن الأحوال أثر في الأحكام عند من تثبت عنده القرينة، وتختلف قرائن الأحوال باختلاف الناظر فيها، ولا سيما وقد قال صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي". وقال في الحج: "خذوا عني مناسككم" فلو راعى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العيد مع الخطبة مراعاة الحج، ومراعاة الصلاة لنطق فيها كما نطق في مثل هذا، وكذلك ما أحدث معاوية كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره خال المؤمنين، فالظن بهم جميل رضي الله عنهم أجمعين، ولا سبيل إلى تجريحهم، وإن تكلم بعضهم في بعضهم، فلهم ذلك، وليس لنا الخوض فيما شجر بينهم؛ فإنهم أهل علم واجتهاد، وحديثو عهد بنبوة، وهم مأجورون في كل ما صدر عنهم عن اجتهاد، سواء أخطأوا أو أصابوا. اهـ .

وهو كلام نفيس يفتح باب حسن الاعتقاد في سلفنا، ويتعين على كل طالب للحق معرفة ذلك، والله يقول الحق وهو يهدي إلى سواء السبيل .

( تنبيه) :

قال الرافعي : ويستحب للناس استماع الخطبة، ومن دخل والإمام يخطب، فإن كان في المصلى جلس واستمع، ولم يصل التحية، ثم إن شاء صلى صلاة العيد في الصحراء، وإن شاء صلاها إذا رجع إلى بيته، وإن كان في المسجد استحب له التحية .

ثم قال أبو إسحاق: لو صلى العيد كان أولى وحصلت التحية، فمن دخل المسجد وعليه مكتوب يفعلها، وتحصل بها التحية، وقال ابن أبي هريرة : يصلي التحية، ويؤخر صلاة العيد إلى ما بعد الخطبة، والأول أصح عند الأكثرين، ولو خطب الإمام قبل الصلاة فقد أساء، وفي الاعتداد بخطبته احتمال لإمام الحرمين، قال النووي : الصواب وظاهر نصه في الأم أنه لا يعتد بها كالسنة الراتبة بعد الفريضة إذا قدمها، والله أعلم. اهـ .

زاد القسطلاني في شرح البخاري : فلو لم يعد الخطبة لم تلزم إعادة ولا كفارة. وقال المالكية: إن كان قريب أمر بالإعادة، وإن بعد فات التدارك، وهذا بخلاف الجمعة؛ إذ لا تصح إلا بتقديم الخطبة؛ لأن خطبتها شرط لصحتها، وشأن الشرط أن يقدم. اهـ .

ثم قال الرافعي : ويستحب أن يعلمهم في عيد الفطر أحكام [ ص: 397 ] صدقة الفطر، وفي الأضحى أحكام الأضحية، ويستحب أن يفتتح الخطبة الأولى بتسع تكبيرات متواليات، والثاني بسبع، ولو أدخل بينهما الحمد والتهليل والثناء جاز، وذكر بعضهم أن صفتها كالتكبيرات المرسلة والمقيدة التي ذكرت .

قال النووي : قلت: نص الشافعي وكثيرون من الأصحاب على أن هذه التكبيرات ليست من الخطبة، وإنما هي مقدمة لها، ومن قال منهم: يفتتح الخطبة بالتكبيرات يحمل كلامه على موافقة النص الذي ذكرته؛ لأن افتتاح الشيء قد يكون ببعض مقدماته التي ليس من نفسه، فاحفظ هذا؛ فإنه مهم خفي، والله أعلم .

( فصل)

في هيئة صلاة العيد عند أصحابنا إذا دخل وقت الصلاة بارتفاع الشمس وخروج وقت الكراهة يصلي الإمام بالناس ركعتين بلا أذان ولا إقامة؛ ينوي عند أدائها صلاة العيد بقلبه، ويقول بلسانه: أصلي لله تعالى صلاة العيد إماما، والمقتدي ينوي المتابعة أيضا فيكبر تكبير التحريمة، ثم يضع يديه تحت السرة، ثم يقرأ الإمام والمؤتم الثناء؛ لأنه شرع في أول الصلاة فيقدم على تكبيرات الزوائد كما في ظاهر الرواية، ثم يكبر الإمام والقوم تكبيرات الزوائد ثلاثا، يفصل بين كل تكبيرتين بسكتة مقدار ثلاث تكبيرات في رواية عن أبي حنيفة لئلا يشتبه على البعيد عن الإمام، ولا يسن ذكر بين التكبيرات؛ لأنه لم ينقل، ويرفع يديه عند كل تكبيرة منهن، ويرسلهما في أثنائهن، ثم يضعهما بعد الثالثة فيتعوذ، ويسمي سرا، ثم يقرأ الإمام الفاتحة وسورة، وندب سورة الأعلى، ثم يكبر، ويركع الإمام، ويتبعه القوم، فإذا قام إلى الركعة الثانية ابتدأ بالبسملة، ثم بالفاتحة، ثم بالسورة ليوالي بين القراءتين، وهو الأفضل عندنا، وندب سورة الغاشية؛ لما روى أبو حنيفة ، عن إبراهيم، عن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن النعمان ابن بشير، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة: سبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية.

ورواه أبو حنيفة مرة في العيدين فقط، ثم يكبر الإمام والقوم بعد ثلاث تكبيرات زوائد على هيئة تكبيره في الأولى، ويرفع يديه كما في الأولى. هذه كيفية صلاة العيد عند علمائنا. وهذا الفعل وهو الموالاة بين القراءتين، والتكبير ثلاثا في كل ركعة أولى من زيادة التكبير على الثلاث في كل ركعة، ومن تقديم تكبيرات الزوائد في الركعة الثانية على القراءة، وهو قول ابن مسعود وأبي موسى الأشعري، وحذيفة بن اليمان، وعقبة بن عامر، وابن الزبير، وأبي مسعود البدري، وأبي سعيد الخدري، والبراء بن عازب، وعمر بن الخطاب ، وأبي هريرة رضي الله عنهم والحسن البصري، وابن سيرين، وسفيان الثوري، وهو رواية عن أحمد، وحكاه البخاري في صحيحه مذهبا لابن العباس، وذكر ابن الهمام في التحرير: أنه قول ابن عمر أيضا. وقال مالك وأحمد في ظاهر قوله: يكبر في الأولى ستا، وفي الثانية خمسا، ويقرأ فيهما بعد التكبير، وهو مذهب الزهري، والأوزاعي، والذي سبق عن الشافعي من أنه يكبر في الأولى سبعا، وفي الثانية خمسا، ويقرأ فيهما بعد التكبير هو مروي عن ابن عباس ، وقال شريك بن عبد الله، وابن حي يكبر في الفطر في الأول أربعا زوائد بعد القراءة، وفي الثانية كذلك، وفي الأضحى واحدة زائدة في كل ركعة بعد القراءة، وفيها تسعة أقوال أخر ذكرها السر، وجيء في شرح الهداية، وقال الشيخ الأكبر قدس سره: حكى ابن المنذر في التكبير اثنى عشر قولا .

( فصل)

في الأحاديث المروية في هذا المعنى والكلام عليها؛ استدل الشافعي رحمه الله تعالى بما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبعا، وفي الثانية خمسا؛ روي ذلك عن عمرو بن عوف، وعبد الله بن عمر، وعائشة، وأبي هريرة ، وسعد القرظي، وأبي واقد الليثي، وعبد الرحمن بن عوف، وابن عباس ، وأبي سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، وعمر بن الخطاب :

أما حديث عمرو بن عوف فأخرجه الترمذي، وابن ماجه، والدارقطني، وابن عدي، والبيهقي من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه عن جده .

قال البيهقي : قال أبو عيسى الترمذي: سألت محمدا -يعني البخاري - عن هذا الحديث فقال: [ ص: 398 ] ليس في هذا الباب شيء أصح من هذا، وبه أقول. اهـ .

قلت: وكثير ضعيف، قال الشافعي: ركن من أركان الكذب، وقال أبو داود: كذاب، وقال ابن حبان : يروي عن أبيه، عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب ولا الرواية عنه إلا على وجه التعجب، وقال النسائي والدارقطني : متروك الحديث، وقال ابن معين : ليس بشيء، وقال ابن حنبل: منكر الحديث ليس بشيء، وقال عبد الله بن أحمد : ضرب أبي على حديثه في المسند، ولم يحدث عنه، وقال أبو زرعة: واهي الحديث، فكيف يقال في حديث هذا في سنده ليس في هذا الباب شيء أصح من هذا، ولذا قال الحافظ في تخريج الرافعي: وأنكر جماعة تحسينه على الترمذي .

فإن قلت: لا يلزم من هذا الكلام صحة الحديث، بل المراد أنه أصح شيء في هذا الباب، وكثيرا ما يريدون بهذا الكلام هذا المعنى .

فالجواب أن القرينة هنا دالة على أنه أراد بالكلام المذكور صحة الحديث، وكذا فهم عبد الحق، فقال في أحكامه عقيب حديث كثير صحح البخاري هذا الحديث، ومن أعظم القرائن الدالة عليه قول الترمذي وأنه من قوله، وبه أقول. قال: وحديث عبد الله بن عبد الرحمن عن عمرو عن أبيه عن جده في هذا الباب صحيح أيضا. هكذا نقله البيهقي في السنن، فإن كان ضمير قال راجعا إلى البخاري، ويكون قوله من تتمة قوله، دل على أنه أراد بالكلام الأول الصحة، وإن كان الضمير راجعا إلى الترمذي وأنه من قوله، فلا دلالة فيه على أن البخاري أراد به الصحة، ولكن قول الحافظ: ولذا أنكر جماعة تحسينه على الترمذي، يدل على أنه لم يرد به الصحة، وإلا لقال تصحيحه؛ فتأمل .

وأما حديث عبيد الله بن عمرو، فأخرجه أحمد وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو داود وابن ماجه والدارقطني والبيهقي من طريق عبد الله بن عبد الرحمن، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وفي رواية، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بلفظ: إن النبي صلى الله عليه سلم كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة: سبعا في الأولى، وخمسا في الآخرة. وصححه أحمد، وابن المديني، والبخاري فيما حكاه الترمذي، هكذا قاله الحافظ في تخريج الرافعي.

قلت: وهذا يدل على أن الكلام المتقدم عن الترمذي من قول البخاري، لا من قول الترمذي، وكيف يكون صحيحا وعبد الله بن عبد الرحمن راويه قد تكلم فيه؛ قال سعيد الهكاري: عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب الطائفي أبو يعلى الثقفي، قال ابن معين : صالح، وقال أبو حاتم : ليس بقوي، لين الحديث، عابه طلحة، وعمر بن راشد، وعبد الله بن المؤمل، وقال النسائي : ليس بذاك القوي، ويكتب حديثه، وقال ابن الجوزي بضعفه، وهو وإن خرج له مسلم في المتابعات على ما قاله صاحب الكمال فالبيهقي يتكلم فيمن هو أجل منه ممن احتج به في الصحيح كحماد بن سلمة وأمثاله؛ لكونهم تكلم فيهم، وإن كان الكلام فيهم بدون الكلام الذي في الطائفي هذا. فتأمل، وأنصف .

وبه يظهر أن في تصحيح هذا الحديث من هذا الطريق نظرا .

وأما حديث عائشة؛ فلفظه: كان يكبر في العيدين في الأولى بسبع، وفي الثانية بخمس قبل القراءة سوى تكبيرتي الركوع. رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والطبراني، والحاكم، وفيه ابن لهيعة، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة عنها. وذكر الترمذي في العلل أن البخاري ضعفه، قال الحافظ: وفيه اضطراب عن ابن لهيعة مع ضعفه، قال مرة : عن عقيل، ومرة: عن خالد بن يزيد، وهو عند الحاكم، ومرة: عن يونس، وهو في الأوسط، فيحتمل أن يكون سمع من الثلاثة، وقيل: عنه، عن أبي الأسود، عن عروة . اهـ .

قلت: وعلى كل حال فمداره على ابن لهيعة، وهو ضعيف الحديث، لا يحتج به، وذكر ابن عدي، عن ابن معين قال: أنكر أهل مصر احتراق كتبه، والسماع منه، وذكر عند يحيى احتراق كتبه، فقال: هو ضعيف قبل أن تحترق كتبه، وبعدما احترقت .

وأما حديث أبي هريرة فرواه أحمد من طريق ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن الأعرج عنه، وصحح الدارقطني في العلل أنه موقوف، وابن لهيعة. تقدم الكلام فيه، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة ، عن ابن إدريس، عن عبد الله، عن نافع عنه بلفظ: كان يكبر في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمسا كلهن قبل القراءة، فهذا هو الموقوف الذي أشار إليه الدارقطني، وهو أصح طريقا من المرفوع .

وأما حديث سعد القرظي فرواه ابن ماجه في السنن، عن هشام [ ص: 399 ] ابن عمار، عن عبد الرحمن بن سعيد، عن عبد الله بن محمد بن عمار بن سعد، وعمر بن حفص بن سعد، عن آبائهم، كان يكبر في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الآخرة خمسا قبل القراءة، ورواه البيهقي من طريق حفص بن عمر بن سعد، عن أبيه، عن جده، وفي بعض نسخ ابن ماجه : حفص بن عمار بن سعد، وعمر أصح، نبه عليه الذهبي في الكاشف، وسياق السنن للبيهقي: عن حفص بن عمر بن سعد أن أباه وعمومته أخبروه عن أبيهم سعد أن السنة في صلاة الأضحى والفطر .. إلخ، وقال في كتاب المعرفة: ورويناه من حديث أولاد سعد القرظي عن آبائهم، عن سعد، وأخرجه ابن منده بهذا السند في ترجمة سعد القرظي في كتاب معرفة الصحابة له، وذكر البيهقي أيضا حديث عبد الرحمن بن سعد: حدثني عبد الله بن محمد بن عمار بن سعد، وعمر بن حفص بن سعد، عن أجدادهم أنه عليه السلام كبر .. إلخ .

قلت: عبد الرحمن بن سعد بن عمار منكر الحديث، وفي الكمال سئل عنه ابن معين فقال: ضعيف، ومع ضعفه اضطربت روايته لهذا الحديث، وعبد الله بن محمد بن عمار ضعفه ابن معين، ذكره الذهبي، وقال أيضا عمر بن حفص بن عمر بن سعد، قال ابن معين : ليس بشيء، وفي الميزان أن عثمان بن سعيد ذكر ليحيى هذا الحديث، ثم قال: كيف حال هؤلاء؟ قال: ليسوا بشيء، وحفص المذكور في السند إن كان حفص بن عمر المذكور أولا فقد اضطربت روايته لهذا الحديث. رواه هنا، عن سعد القرظي، وفي الأول رواه عن أبيه، عن عمومته، عن سعد القرظي، فتأمل ذلك .

وأما حديث أبي واقد الليثي؛ فرواه ابن أبي حاتم في العلل، وقال: عن أبيه أنه باطل. وأما حديث عبد الرحمن بن عوف فرواه البزار، وصحح الدارقطني إرساله .

وأما حديث ابن عباس فرواه البيهقي من طريق عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء : كان ابن عباس يكبر في العيدين ثنتي عشرة؛ سبع في الأولى، وخمس في الآخرة ثم قال: هذا إسناد صحيح، وقد قيل فيه: عن عبد الملك بن أبي سليمان ثلاث عشرة تكبيرة؛ سبع في الأولى، وست في الآخرة، وكأنه عد تكبيرة القيام. اهـ .

وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة ، عن هشيم، عن حجاج . وعبد الملك، عن عطاء، عن ابن عباس مثل الحديث الثاني، وعن وكيع، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس مثله، وعن ابن إدريس، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس أنه كان يكبر في العيد في الأولى سبع تكبيرات بتكبيرة الافتتاح، وفي الآخرة ستا بتكبير الركعة، كلهن قبل القراءة.

قلت: قد اختلف في تكبير ابن عباس على ثلاثة أوجه: وجهان قد ذكر أو ذكر ابن أبي شيبة وجها ثالثا سيأتي ذكره، وقد صرح في رواية ابن إدريس المخرجة عند أبي بكر بن أبي شيبة أن المراد بها أن السبع بتكبيرة الافتتاح، فإن كانت رواية عبد الملك عن عطاء كذلك، وإن المراد بها السبع بتكبيرة الافتتاح فمذهب الشافعي مخالف للروايتين؛ فإن البيهقي ذكر أن السبع في الأولى ليس فيها تكبيرة الافتتاح، وإن كان المراد برواية عبد الملك ذلك، وأن السبع ليس فيها تكبيرة الافتتاح كما ذهب إليه الشافعي؛ فرواية ابن جريج عن عطاء مخالفة لها، فكان الأولى للشافعية اتباع رواية ابن جريج؛ لأن رواية عبد الملك محتملة، ورواية ابن جريج مصرحة بأن السبع بتكبيرة الافتتاح، ولجلالة ابن جريج وثقته خصوصا في عطاء؛ فإنه أثبت الناس فيه، قال أحمد: وأما عبد الملك فهو وإن أخرج له مسلم فقد تكلموا فيه. ضعفه ابن معين، وتكلم فيه شعبة لتفرده بحديث الشفعة، وقيل لشعبة: تحدث عن محمد بن عبيد الله العزرمي، وتدع حديث عبد الملك بن أبي سليمان العزرمي، وهو حسن الحديث؟! قال: من حسنها فررت، ذكره البيهقي في باب شفعة الجوار، على أن ظاهر رواية عبد الملك أنها موافقة لرواية ابن جريج، وإن السبع بتكبيرة الافتتاح إذا لو لم يكن منها لقيل كبر ثمانيا، وعلى تقدير مخالفة رواية ابن جريج لرواية عبد الملك يلزم البيهقي اطراح رواية عبد الملك لمخالفتها رواية ابن جريج؛ لأنه قال في باب التراب في ولوغ الكلب: عبد الملك بن أبي سليمان لا يقبل منه ما يخالف فيه الثقات، وإلى العمل بمقتضى رواية ابن جريج ذهب مالك وأحمد، فإنهما جعلا السبع بتكبيرة الافتتاح، ثم إن ابن جريج صرح في روايته عن عطاء بأن الست في الآخرة بتكبير الركعة، فترك البيهقي هذا التصريح، وتأول في الست [ ص: 400 ] المذكورة في الآخرة في رواية عبد الملك بأنه عد تكبيرة القيام، ولو قال: عد تكبيرة الركعة لكان هو الوجه .

وأخرج البيهقي أيضا حديث ابن عباس من طريق يحيى بن أبي طالب جعفر بن عبد الله بن الزبير؛ فإن عبد الوهاب بن عطاء عن حميد عن عمار مولى بني هاشم أن ابن عباس كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعا في الأولى، وخمسا في الآخرة .

قلت: يحيى بن أبي طالب، قال الذهبي في ذيل الديوان: مشهور، وثقه الدارقطني وغيره، قال موسى بن هارون: أشهد أنه يكذب، يريد في كلامه، لا في حديثه. اهـ المنقول من ذيل الديوان، وخبط أبو داود وصاحب السنن على حديثه، وقال أبو أحمد الحافظ: ليس بالمتين. وعبد الوهاب بن عطاء هو الخفاف ضعفه أحمد، وقواه غيره، وقال البخاري : ليس بالقوي عندهم، وهو محتمل، وقال النسائي : ليس بالقوي، روى له الجماعة إلا البخاري، وقد أخرج أبو بكر بن أبي شيبة رواية عمار هذا في المصنف، فقال: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا حميد، عن عمار بن أبي عمار: أن ابن عباس كبر في عيد فساقه، فعدل البيهقي عن رواية يزيد بن هارون مع جلالته إلى ذلك الطريق الضعيف، وأظن رواية يزيد لم تقع له، ولو وقعت له ما تركها، والله أعلم .

وأما حديث أبي سعيد فرواه أبو بكر بن أبي شيبة موقوفا عليه من رواية أبي سفيان عنه، قال: التكبير في العيدين سبع وخمس: سبع في الأولى قبل القراءة، وخمس في الآخرة قبل القراءة .

قلت: أبو سفيان طريق ابن شهاب ضعفه الدارقطني، ويحيى القطان، وأما حديث ابن عمر فرواه أيضا أبو بكر بن أبي شيبة موقوفا عليه من طريق نافع بن أبي نعيم قال: سمعت نافعا، قال: قال عبد الله بن عمر : التكبير في العيدين سبع وخمس.

قلت: نافع بن أبي نعيم أحد القراء السبعة، قال أحمد: يؤخذ عنه القرآن، وليس في الحديث بشيء. وأما حديث عمر بن الخطاب فرواه ابن أبي شيبة موقوفا عليه، عن جعفر بن عون، عن الإفريقي، عن عبد الرحمن بن رافع عنه أنه كان يكبر في العيدين ثنتي عشرة؛ سبعا في الأولى، وخمسا في الآخرة .

قلت: الإفريقي هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ضعفه ابن معين والنسائي، وقال الدارقطني : ليس بالقوي، وقال أحمد: نحن لا نروي عنه شيئا، فهذا جميع من روى الحديث الذي استدل به الشافعي رحمه الله تعالى. وروى العقيلي عن أحمد قال: ليس يروى في التكبير في العيدين حديث مرفوع .

وقال الحاكم : الطرق إلى عائشة وابن عمر وعبد الله بن عمرو وأبي هبيرة فاسدة.. اهـ .

وقد روى كذلك عن مكحول، قال: التكبير في الأضحى والفطر سبع وخمس، كلاهما قبل القراءة لا يوالي بين القراءتين. رواه ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن برد عنه. قلت: وسيأتي عن مكحول عن أبي عائشة ما يخالف ذلك. وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا محمد بن هلال، قال: سمعت سالم بن عبد الله، وعبد الله بن عبد الوهاب يأمران عبد الرحمن بن الضحاك يوم الفطر - وكان على المدينة - أن يكبر في أول ركعة سبعا يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الآخرة خمسا يقرأ باسم ربك الذي خلق .

قلت: وهذا سند جيد، وأخرج البيهقي من طريق ابن أبي أويس، حدثنا أبي، حدثنا ثابت بن قيس : شهدت عمر بن عبد العزيز يكبر في الأولى سبعا قبل القراءة، وفي الآخرة خمسا قبل القراءة، ورواه أيضا عن عمر بن هارون، عن عبد العزيز بن عمر، عن أبيه أنه كان يكبر في العيدين سبعا وخمسا؛ سبعا في الأولى، وخمسا في الآخرة .

قلت: هذا سند جيد. وأما سياق البيهقي ففيه إسماعيل بن أبي إدريس، عن أبيه، عن ثابت بن قيس . -ثلاثتهم تكلم فيهم- فإسماعيل وإن خرج له في الصحيح فقد قال يحيى: هو وأبوه يسرقان الحديث، وقال النضر بن سلمة المروزي: هو كذاب، وقال النسائي : ضعيف، وبالغ في الكلام عليه إلى أن يؤدي إلى تركه، وثابت بن قيس هو أبو النضر الغفاري . قال يحيى : ليس حديثه بذلك، وفي كتاب ابن الجوزي، قال يحيى: ضعيف، وقال ابن حبان : لا يحتج بخبره إذا لم يتابعه غيره، والله أعلم .

( فصل)

واحتج أبو حنيفة ، ومن وافقه بحديث عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن أبي [ ص: 401 ] عائشة، جليس لأبي هريرة ، أن سعيد بن العاص سأل أبا موسى، وحذيفة كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الأضحى والفطر، فقال أبو موسى: كان يكبر أربعا تكبيره على الجنائز، فقال حذيفة: صدق. فقال أبو موسى: كذلك كنت أكبر في البصرة حيث كنت عليهم. أخرجه أبو داود والبيهقي .

ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف، عن زيد بن حباب، حدثنا عبد الرحمن بن ثوبان فساقه مثله، وزاد: وقال أبو عائشة -وأنا حاضر ذلك فما نسيت- قوله: أربعا كالتكبير على الجنائز. وقد تكلم البيهقي على هذا الحديث؛ فقال: خولف راويه في موضعين في رفعه، وفي جواب أبي موسى، والمشهور أنهم أسندوه إلى ابن مسعود فأفتاهم بذلك، ولم يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم. كذا رواه السبيعي، عن عبد الله بن موسى، أو ابن أبي موسى، أنا سعيد بن العاص.. أرسل.. إلخ. عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ضعفه ابن معين . اهـ .

قلت: هذا قد أخرجه أبو داود كما أخرجه البيهقي أولا، وسكت عنه، وسكوته تحسين منه كما علم من شرطه، وكذا سكت عليه المنذري في مختصره، ومذهب المحققين أن الحكم للرافع؛ لأنه زاد، وأما جواب أبي موسى فيحتمل أنه تأدب مع ابن مسعود فأسند الأمر إليه مرة، وكان عنده فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره مرة أخرى، وعبد الرحمن بن ثابت اختلف على ابن معين فيه؛ قال صاحب الكمال: قال عباس: ما ذكر ابن معين إلا بخير. وفي رواية: ليس به بأس. وقال ابن المديني وأبو زرعة: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: مستقيم الحديث. وقال المزني: وثقه رحيم وغيره .

وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا هشيم، عن ابن عون، عن مكحول قال: أخبرني من شهد سعيد بن العاص: أرسل إلى أربعة نفر من أصحاب الشجرة فسألهم عن التكبير في العيد، فقالوا: ثمان تكبيرات، قال: فذكرت ذلك لابن سيرين، فقال: صدق، ولكنه أغفل تكبيرة فاتحة الصلاة .

قلت: وهذا المجهول الذي في هذا السند تبين أنه أبو عائشة، وباقي السند صحيح، وهو يؤيد رواية ابن ثوبان الموقوفة .

ويؤيدها وجوه أخر ذكرها ابن أبي شيبة في المصنف؛ فقال: حدثنا يزيد بن هارون، عن المسعودي، عن معبد بن خالد، عن كردوس قال: قدم سعيد بن العاص في ذي الحجة فأرسل إلى عبد الله، وحذيفة، وأبي مسعود الأنصاري، وأبي موسى الأشعري، فسألهم عن التكبير فأسندوا أمرهم إلى عبد الله، فقال عبد الله: يقوم فيكبر، ثم يكبر، ثم يكبر، ثم يكبر فيقرأ، ثم يكبر، ويركع، ويقوم فيقرأ ثم يكبر، ثم يكبر، ثم يكبر، ثم يكبر الرابعة، ثم يركع.

وأما رواية السبيعي الذي أشار إليه البيهقي فرواه ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن سفيان عنه، عن عبد الله بن أبي موسى. وعن حماد، عن إبراهيم أن أميرا من أمراء الكوفة - قال سفيان: أحدهما سعيد بن العاص، وقال الآخر: الوليد بن عقبة - بعث إلى عبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن قيس، فقال: إن هذا العيد قد حضر، فما ترون؟ فأسندوا أمرهم إلى عبد الله، فقال: يكبر تسعا: تكبيرة يفتح بها الصلاة، ثم يكبر ثلاثا، ثم يقرأ سورة، ثم يكبر، ثم يركع، ثم يقوم فيقرأ سورة، ثم يكبر أربعا يركع بإحداهن.

وقال أيضا: حدثنا هشيم، عن أشعث، عن كردوس، عن ابن عباس قال: لما كان ليلة العيد أرسل الوليد بن عقبة إلى ابن مسعود، وأبي مسعود، وحذيفة، والأشعري فقال لهم: إن العيد غدا فكيف التكبير؟ فقال عبد الله: يقوم فيكبر أربع تكبيرات، ويقرأ بفاتحة الكتاب، وسورة من المفصل ليس من طوالها، ولا من قصارها، ثم يركع، ثم يقوم فيقرأ، فإذا فرغت من القراءة كبرت أربع تكبيرات، ثم تركع بالرابعة.

وقال أيضا: حدثنا أبو أسامة، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن جابر بن عبد الله، وسعيد بن المسيب قالا: تسع تكبيرات، ويوالي بين القراءتين .

وحدثنا هشيم، أخبرنا خالد، عن عبد الله بن الحارث، قال: صلى بنا ابن عباس يوم عيد، فكبر تسع تكبيرات: خمسا في الأولى، وأربعا في الآخرة.

وحدثنا هشيم، أخبرنا داود، عن الشعبي قال: أرسل زياد إلى مسروق أنا تشغلنا أشغال، فكيف التكبير في العيدين؟ قال: تسع تكبيرات؛ قال: خمسا في الأولى، وأربعا في الآخرة، ووال بين القراءتين .

وحدثنا غندر وابن مهدي، عن شعبة، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود ومسروق أنهما كانا يكبران في العيد تسع تكبيرات .

وحدثنا يحيى بن سعيد، عن أشعث، عن محمد [ ص: 402 ] ابن سيرين، عن أنس أنه كان يكبر في العيد تسعا، فذكر مثل حديث عبد الله، وحدثنا إسحاق الأزرق، عن الأعمش ، عن إبراهيم أن أصحاب عبد الله كانوا يكبرون في العيد تسع تكبيرات .

وحدثنا الثقفي، عن خالد، عن أبي قلابة، قال: التكبير في العيدين تسع تسع .

وحدثنا شريك، عن جابر، عن أبي جعفر أنه كان يفتي بقول عبد الله في التكبير في العيدين .

وحدثنا إسحاق الأزرق، عن هشام، عن الحسن ومحمد أنهما كانا يكبران تسع تكبيرات .

وحدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا أبو كدنية، عن الشيباني، عن الشعبي والمسيب قالا: الصلاة يوم العيدين تسع تكبيرات؛ خمس في الأولى، وأربع في الأخيرة، ليس بين القراءتين تكبير .

وروى عبد الرازق في مصنفه، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن علقمة والأسود سأل سعيد بن العاص حذيفة وأبا موسى فساقه كسياق أبي بكر بن أبي شيبة .

وقال عبد الرازق : أخبرنا إسماعيل بن أبي الوليد، حدثنا خالد الجذاء، عن عبد الله بن الحارث : شهدت ابن عباس كبر في صلاة العيد بالبصرة تسع تكبيرات، ووالى بين القراءتين، وشهدت المغيرة بن شعبة فعل ذلك أيضا، فسألت خالدا: كيف فعل ابن عباس؟ ففسر لنا كما صنع ابن مسعود في حديث معمر، والثوري، عن أبي إسحاق سواء .

فهذه كلها شواهد لحديث ابن ثوبان المتقدم، وروى محمد بن الحسن في الآثار، عن أبي حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم، عن ابن مسعود أنه كان قاعدا في مسجد الكوفة، ومعه حذيفة، وأبو موسى الأشعري، فخرج عليهم الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وهو أمير الكوفة يومئذ فقال: إن غدا عيدكم فكيف أصنع؟ فقالا: أخبره يا أبا عبد الرحمن فأمره عبد الله بن مسعود أن يصلي بغير أذان، ولا إقامة، وأن يكبر في الأولى خمسا، وفي الثانية أربعا، ويوالي بين القراءتين، وأن يخطب بعد الصلاة على راحلته، وهذا أثر صحيح قاله بحضرة جماعة من الصحابة، ومثل هذا يحمل على الرفع؛ لأنه كنقل أعداد الركعات، وقول البيهقي : هذا رأي من جهة عبد الله، والحديث المسند مع ما عليه من عمل المسلمين أولى أن يتبع. قد رده أبو عمر في التمهيد، وقال: مثل هذا لا يكون رأيا، ولا يكون إلا توفيقا؛ لأنه لا فرق بين سبع وأقل وأكثر من جهة الرأي والقياس .

وقال ابن رشد في القواعد: معلوم أن فعل الصحابة في ذلك توقيف؛ إذ لا يدخل القياس في ذلك، وقد وافق جماعة من الصحابة ومن بعدهم، وما روي عن غيرهم خلاف ذلك غايته المعارضة، ويترجح بابن مسعود، وفيما تقدم من الأحاديث المسندة قد وقع فيها الاضطراب. وأثر ابن مسعود سالم من الإضراب، وبه يترجح المرفوع الموافق له، ويترجح الموالاة بين القراءتين بالمعنى أيضا؛ وهو أن التكبير ثناء، ومشروعيته في الأولى قبل القراءة كدعاء الاستفتاح، وحيث شرع في الآخرة شرع بعد القراءة؛ كالقنوات، فكذلك التكبير، وما ذكروه من عمل العامة بقول ابن عباس لأمر بينه الخلفاء بذلك فقد كان فيما مضى، أما الآن فلم يبق بالأرض منهم خليفة، فالمذهب عندنا العمل بقول ابن مسعود، لكن حيث لا يقع الالتباس على الناس، والله أعلم .

( تكميل)

في كتاب الشريعة للشيخ الأكبر قدس سره بعد أن ذكر اختلاف الناس في تكبيرات العيدين ما نصه: زيادة التكبير في صلاة العيدين على التكبير المعلوم في الصلوات يؤذن بأمر زائد يعطيه اسم العيد؛ فإنه من العودة فيعاد التكبير؛ لأنها صلاة عيد، فيعاد كبرياء الحق قبل القراءة لتكون المناجاة، عن تعظيم مقرر مؤكد؛ لأن التكرار تأكيد للتثبيت في نفس المؤكد من أجله مراعاة لاسم العيد؛ إذ كان للأسماء حكم ومرتبة عظمى؛ فإن بها شرف آدم على الملائكة، فاسم العيد أعطى إعادة التكبير؛ لأن الحكم له في هذا الموطن بعد القراءة في مذهب من يراه لأجل الركوع في صلاة العيد، وسبب ذلك لما كان يوم زينة وفرح وسرور، واستولت فيه النفوس على طلب حظوظها من النعيم، وأيد الشرع في ذلك بتحريم الصوم فيه، وشرع لهم اللعب في هذا اليوم والزينة، شرع الله لهم تضاعف التكبير في الصلاة؛ ليتمكن من قلوب عباده ما ينبغي للحق من الكبرياء والعظمة؛ لئلا يشغلهم حظوظ النفوس، عن مراعاة حقه تعالى بما يكون عليهم من أداء الفرائض في أثناء النهار أعني صلاة الظهر، والعصر، وباقي الصلوات، قال تعالى: ولذكر الله أكبر ، يعني: في الحكم، فمن [ ص: 403 ] رآه ثلاث تكبيرات فلعوالمه الثلاث لكل عالم تكبيرة في كل ركعة، ومن رآه سبعا فاعتبر صفاته فكبره لكل صفة تكبيرة؛ فإن العبد موصوف بالصفات السبع التي وصف الحق بها نفسه، فكره أن تكون نسبة هذه الصفات إليه سبحانه وتعالى كنسبتها إلى العبد، فقال: الله أكبر؛ يعني من ذلك في كل صفة، والمكبر خمسا فيها، فنظرة في الذات، والأربع الصفات التي يحتاج إليها العالم من الله تعالى أن يكون موصوفا بها فيكبره بالواحدة لذاته بليس كمثله شيء، وتكبيره بالأربع لهذه الصفات الأربع خاصة على حد ما كبره في السبع من عدم الشبه في المناسبة، فاعلم ذلك .

وأما رفع الأيدي فيها فإشارة إلى أنه ما بأيدينا شيء مما نسب إلينا من ذلك، وأما من لم يرفع يديه فيها فاكتفى برفعها في تكبيرة الإحرام، ورأى أن الصلاة أقرت بالسكينة فلم يرفع إذ كانت الحركة تشوش غالبا ليتفرغ للذكر بالتكبير خاصة، ولا يعلق خاطرة بيديه ليرفعها فينقسم خاطره، فكل عارف راعى أمرا ما فعمل بحسب ما أحضره الحق فيه، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية