إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
أوائلهما أطول من أواخرهما .

ولا يجهر .


وأشار المصنف إلى أكملها بقوله: ( أوائلهما أطول من أواخرهما) ، ويأتي بيان ذلك، ثم قال: ( ولا يجهر) أي: في كسوف الشمس، بل يستحب فيها الإسرار؛ لأنها صلاة نهارية، ويستحب الجهر في خسوف القمر؛ لأنها صلاة ليلية؛ قال النووي : هذا هو المعروف، وقال الخطابي: الذي يجيء على مذهب الشافعي أنه يجهر في الشمس. اهـ .

قلت: وعدم الجهر في صلاة الكسوف هو مذهب أبي حنيفة ومالك . وقال أبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل : يجهر فيها، وتمسكوا بما رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن نمر الدمشقي عن الزهري عن عروة عن عائشة : جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته.

ورواه الترمذي من طريق سفيان بن حسين، وأحمد من طريق سليمان بن كثير، والطحاوي من طريق عقيل، والدارقطني من طريق إسحاق بن راشد، كلهم عن الزهري . واختاره ابن العربي من المالكية، فقال: الجهر عندي أولى؛ لأنها صلاة جامعة ينادى لها ويخطب، فأشبهت العيد والاستسقاء .

وأجاب الشافعية والمالكية وأبو حنيفة وجمهور الفقهاء بأنه محمول على خسوف القمر لا الشمس، وتعقب بأن الإسماعيلي روى هذا الحديث من وجه آخر [ ص: 431 ] بلفظ: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، واحتج الإمام الشافعي بقول ابن عباس أنه قرأ نحوا من قراءة سورة البقرة؛ لأنه لو جهر لم يحتج إلى التقدير، وعورض باحتمال أن يكون بعيدا منه أي في صف الصبيان. وأجيب بأن الإمام الشافعي ذكر تعليقا عن ابن عباس بأنه صلى بجنب النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف فلم يسمع منه حرفا. ووصله البيهقي من ثلاثة طرق، كلها واهية، وأجيب على تقدير صحتها بأن مثبت الجهر معه قدر زائد؛ فالأخذ به، ولعل هذا ملحظ الخطابي الذي تقدم عنه، فإن ثبت التعدد فيكون صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان الجواز .

قلت: واستدل أبو حنيفة أيضا بصلاة النهار عجماء، وبحديث سمرة، وفيه: لم نسمع له صوتا، وبحديث ابن عباس المذكور وبحديث عائشة أيضا: فحزرت قراءته أنه قرأ سورة البقرة، ولو جهر لسمعت وما حزرت، وحمل الحديث المذكور على أنه جهر بالآية والآيتين ليعلم أن فيها القراءة، وهذا أولى من حملها على صلاة الخسوف .

ثم اعلم أن المشهور في المذهب عندنا أن محمدا مع أبي يوسف، وهكذا ذكره الحاكم الشهيد، وقد ذكر الزاهدي في القنية أن محمدا مع أبي حنيفة في هذه المسألة، فالرواية عنه مضطربة، وإنما رجح أصحابنا رواية ابن عباس وسمرة؛ لأن الحال أكشف على الرجال من النساء؛ لقربهم. قاله شارح المختار .

التالي السابق


الخدمات العلمية