إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الخامسة : ركعتان بعد الوضوء .

مستحبتان لأن الوضوء قربة ومقصودها الصلاة والأحداث عارضة فربما يطرأ الحدث قبل صلاة فينتقض الوضوء ، ويضيع السعي فالمبادرة ، إلى ركعتين استيفاء لمقصود الوضوء قبل الفوات .

، وعرف ذلك بحديث بلال إذ قال صلى الله عليه وسلم : دخلت الجنة فرأيت بلالا فيها ، فقلت لبلال : بم سبقتني إلى الجنة ؟ فقال بلال : لا أعرف شيئا إلا أني لا أحدث وضوءا إلا أصلي عقيبه ركعتين .


( الخامسة: ركعتان بعد الوضوء) ، وهما ( مستحبتان) سواء كان بعد الوضوء الواجب أو غيره. قال النووي : ينوي بهما سنة الوضوء؛ ( لأن الوضوء قربه) يتقرب به إلى الله تعالى ( والأحداث عارضة) عليه ( فربما طرأ الحدث قبل الصلاة فينتقض الوضوء، ويضيع السعي، والمبادرة إلى ركعتين استيفاء لمقصود الوضوء قبل الفوت، وعرف ذلك) أي الاستحباب ( بحديث) أبي عبد الله ( بلال) بن رباح القرشي التميمي المؤذن رضي الله عنه، وأمه حمامة مولاة لبعض بني جمح، قديم الإسلام والهجرة، شهد المشاهد كلها [ ص: 464 ] مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسكن دمشق، قال ابن إسحاق: لا عقب له، وقال البخاري أخو خالد وغفرة مات بالشام سنة عشرين، قال أبو زرعة: قبره بدمشق، ويقال: بداريا، ويقال: إنه لما مات كان قارب السبعين، روى له الجماعة ( إذ قال صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة فرأيت بلالا فيها، فقلت لبلال: بم سبقتني إلى الجنة؟ فقال: لا أعرف شيئا إلا أني لا أحدث وضوءا إلا أصلي عقيبه ركعتين) ، وفي بعض النسخ هنا زيادة، ( أو كما قال) ، وهي زيادة حسنة، يؤتى بها لتأدب مع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العراقي : أخرجاه من حديث أبي هريرة . ا هـ .

قلت: أخرجاه من طريق أبي زرعة، عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال عند صلاة الفجر: يا بلال، أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة، قال: ما عملت عملا أرجى عندي من أني لم أتطهر طهورا في ساعة ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي" هذا لفظ البخاري وقال مسلم: فإني سمعت خشف نعليك.. الحديث. وقال من أني لا أتطهر طهورا تاما.. الحديث، وفي الصحيحين من حديث جابر رفعه: دخلت الجنة، فإذا أبا الرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفه، فقلت: من هذا؟ فقال: هذا بلال. الحديث، وقد ظهر بذلك أن قول العراقي أخرجاه من حديث أبي هريرة أي بمعناه، ولفظ الحديث الذي في سياق المصنف هو عند الترمذي من حديث بريدة الأسلمي قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بلالا، فقال: يا بلال، بم سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي، فقال: ما أحدثت إلا توضأت وصليت ركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا، قال الترمذي : حديث حسن غريب، وأخرجه أيضا الإمام أحمد في المسند، وابن حبان، والحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وقد انفرد الترمذي بهذا السياق خاصة دون بقية الستة، وعند الترمذي أيضا في هذا الحديث، فقال يا رسول الله: ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها، ورأيت أن لله علي ركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بهما، وقوله: "بم سبقتني؟" هكذا في نسخ المسند على الصواب، ويوجد في نسخ سنن الترمذي بإثبات الألف بعد الميم، وهو ضعيف، ولغة القرآن حذف الألف كقوله تعالى: لم أذنت لهم ، و عم يتساءلون ، فإن قيل: هل يظهر لمجازاته بهذا على هذا الفعل مناسبة، فالجواب نعم له مناسبة، وهو أن بلالا كان يديم الطهارة، فمن لازمه أنه كان يبيت على طهارة، ومن كان كذلك فإنه يعرج روحه إلى أعلى الجنة، ويؤمر بالسجود تحت العرش، ولسبق بلال رضي الله عنه مناسبة أخرى، وهو سبقه إلى الإسلام، وعذب في ذات الله فصبر فجوزي بذلك، وفي حديثه هذا استحباب صلاة ركعتين عقب الوضوء، واستحباب دوام الطهارة، وأنه يستحب الوضوء عقب الحدث، وإن لم يكن وقت الصلاة، ولم يرد الصلاة، وهو المراد بقوله: صلى الله عليه وسلم، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن، فالظاهر أن المراد به دوام الوضوء، لا الوضوء الواجب فقط عند الصلاة، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية