إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
التاسعة صلاة : : التسبيح .

وهذه الصلاة مأثورة على وجهها ، ولا تختص بوقت ولا بسبب ويستحب أن لا يخلو الأسبوع عنها مرة واحدة أو الشهر مرة .

فقد روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب ألا أعطيك ؟ ألا أمنحك ؟ ألا أحبوك ؟ بشيء إذا أنت فعلته غفر الله لك ذنبك أوله ، وآخره قديمه وحديثه ، خطأه وعمده ، سره وعلانيته تصلي أربع ركعات ؛ تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة ، وأنت قائم تقول سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .

خمس عشرة مرة ، ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشر مرات ثم ترفع من الركوع فتقولها قائما عشرا ثم تسجد فتقولها عشرا ثم ترفع من السجود فتقولها جالسا عشرا ثم تسجد فتقولها وأنت ساجد عشرا ثم ترفع من السجود فتقولها عشرا ، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة ، تفعل ذلك في أربع ركعات إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل ، فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة ، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة فإن لم تفعل ففي السنة مرة .


( التاسعة: صلاة التسبيح، وهذه الصلاة مأثورة على وجهها، ولا تتخصص بوقت) معين ( ولا بسبب) خاص، ( ويستحب) للمريد ( أن لا يخلو الأسبوع) أي: الأيام السبعة ( منها مرة واحدة) ؛ إما في نهار، وهو الأفضل، أو في ليل، فإن كان في نهار فبتسليمة واحدة أو في ليل فبتسليمتين كما سيأتي، ( أو في الشهر) إن لم يمكنه في الأسبوع أو في السنة في إحدى لياليها المباركة، أو في العمر؛ ( فقد روى) العلماء في ذلك ما يدل على ما ذكرنا كما سيأتي .

ولحديثها روايات مختلفة؛ الأولى: وهي أمثلها قال أبو داود، وابن ماجه في سننها: حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، حدثنا موسى بن عبد العزيز، حدثنا الحكم بن أبان ( عن عكرمة عن ابن عباس ) رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب) : يا عماه ( ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أحبوك؟) هذه الثلاثة ألفاظ مترادفة ذكرت للتأكيد، وفي بعض الروايات في أولها زيادة ألا أعلمك، وفي بعضها مع ذلك الاقتصار على الأولى والثالثة، وزيادة ألا أفعل بك عشر خصال بدل قوله: ( بشيء إذا أنت فعلته) ، وفي رواية: إذا فعلت ذلك ( غفر الله لك ذنبك أوله، وآخره قديمه وحديثه، خطأه وعمده، سره وعلانيته) هكذا هو في سياق القوت، وعند الجماعة بعد عمده: صغيره وكبيره، وكذا عند الدارقطني؛ زاد: عشر خصال أن ( تصلي أربع ركعات؛ تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة) من القرآن أي سورة كانت، يستحب أن تكون عشرين آية كما سيأتي ( فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة، وأنت قائم قلت) ، وفي رواية: قلت وأنت قائم: ( سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) أي: هذه الكلمات الأربعة ( خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها) وأنت راكع ( عشرا) أي: بعد الإتيان بتسبيحات الركوع ثلاثا كما سيأتي، ( ثم ترفع رأسك) من الركوع ( فتقولها عشرا) ، وأنت مطمئن من القيام، ( ثم تسجد) كذا في رواية الجماعة، وعند الدارقطني، ثم تهوي ساجدا، ( فتقولها عشرا وأنت ساجد) أي: بعد الإتيان بتسبيحات السجود، ( ثم ترفع رأسك) من السجود ( فتقولها عشرا) وأنت جالس، ( ثم تسجد فتقولها عشرا) وأنت ساجد، ( ثم ترفع رأسك) من السجود ( فتقولها عشرا، فذلك خمس وسبعون) تسبيحة ( في كل ركعة، تفعل ذلك في أربع ركعات إن استطعت أن تصليها في كل يوم) مرة ( فافعل، فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة) إلى هنا آخر سياق صاحب القوت، وعند الجماعة زيادة: فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة، هذا حديث صحيح غريب جيد الإسناد والمتن، وأخرجه الدارقطني بهذا السياق، فقال: حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، حدثنا عبد الرحمن بن بشر، فساقه مثله سواء، ورواه ابن أبي الدنيا، عن عبد الرحمن بن بشر، وإسحاق بن أبي إسرائيل كلاهما، عن موسى بن عبد العزيز. وأخرجه الحافظ أبو يعلى الخليلي في الإرشاد عن أحمد بن محمد بن عمر الزاهد عن أحمد بن محمد الشرقي عن عبد الرحمن بن بشر ثم قال عقبه، قال أبو حامد بن الشرقي: سمعت مسلم بن الحجاج وكتب معي هذا عن عبد الرحمن بن بشر يقول: لا يروى في هذا الحديث إسناد أحسن من هذا. ا هـ .

وأما رجال الإسناد فعكرمة احتج به البخاري في صحيحه كثيرا وجمهور أهل الحديث، وتكلم فيه بما هو مندفع باحتجاج البخاري به، وكان من بحور العلم، والحكم بن أبان وثقه يحيى بن معين وأحمد بن عبد الله العجلي وجماعة، واحتج به النسائي وغيره، وقال النسائي : ثقة. ولينه ابن المبارك، وكان الإمام أحمد ممن يحتج به، وقال العجلي: كان ثقة صاحب سنة، إذا هدأت العيون يقف في البحر إلى ركبتيه، يذكر الله تعالى حتى يصبح. وأما موسى بن عبد [ ص: 474 ] العزيز، فشيخ قليل الحديث، قال ابن معين والنسائي : ليس به بأس، ولم يضعفه أحد، وساقه ابن الجوزي من طريق الدارقطني، وقال في آخره: لا يثبت، موسى بن عبد العزيز مجهول عندنا ا هـ، وهذا مردود عليه؛ فقد أخرجه أبو داود، وابن ماجه، وابن خزيمة وصححه، وطريق هؤلاء ليست ضعيفة فضلا عن أن يقال موضوعة، وقوله: موسى بن عبد العزيز مجهول عندنا؛ فاعلم أن الجهل عند المحدثين على قسمين: جهل العين، وجهل الحال. وموسى المذكور ليس بمجهول العين، ولا مجهول الحال، غاية ما قيل فيه: أنه شيخ قليل الحديث، وهذا لا يثبت جهلا فيه، كيف وقد روى عنه بشر بن الحكم، وابنه عبد الرحمن، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وزيد بن المبارك الصنعاني، ومحمد بن أسد؟! وتقدم قول ابن معين والنسائي : ليس به بأس، وهذا يفيد الاحتجاج بالرجل، ورفع الجهالة عنه بلا خلاف، وقد رد الأئمة عليه في إيراده هذا الحديث من هذا الطريق في الموضوعات. وأورد الحافظ ابن حجر هذا الحديث في كتاب الخصال المكفرة، وقال: رجال إسناده لا بأس بهم، عكرمة احتج به البخاري، والحكم صدوق، وموسى بن عبد العزيز، قال فيه ابن معين : لا أرى به بأسا، وقال النسائي نحو ذلك، وقال ابن المديني : ضعيف، فهذا الإسناد من شرط الحسن، فإن له شواهد تقويه، وقول ابن الجوزي : إن موسى مجهول مردود عليه؛ لأن من يوثقه ابن معين والنسائي، لا يضره أن يجهل حاله من جاء بعدهما، وأحسن أسانيده ما أخرجه الدارقطني من حديث العباس والترمذي وابن ماجه من حديث أبي رافع، ورواه أبو داود من حديث ابن عمرو بإسناد لا بأس به، ورواه الحاكم من حديث ابن عمرو، وله طرق أخرى ا هـ، وقال في أمالي الأذكار: حديث صلاة التسبيح من حديث عبد الله بن عباس وغيره، ثم ذكرهم على ما سيأتي، ثم قال: فأما حديث ابن عباس فأخرجه أبو داود، وابن ماجه، والحاكم، والحسن بن علي المعمري، في كتاب اليوم والليلة، عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، عن موسى بن عبد العزيز، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن العباس، وهذا إسناد حسن. وقال الحاكم: وأخبرنا أيضا أبو بكر بن قريش، عن الحسن بن سفيان، عن إسحاق بن راهويه، عن إبراهيم بن الحكم، عن أبيه. وزاد الحاكم أن النسائي أخرجه في كتابه الصحيح، عن عبد الرحمن، ولم نر ذلك في شيء من نسخ السنن لا الصغرى ولا الكبرى. وأخرجه الحاكم والمعمري أيضا من طريق بشر بن الحكم والد عبد الرحمن عن موسى بالسند المذكور، وأخرجاه أيضا وابن شاهين في كتاب الترغيب من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل، عن موسى. وقال ابن شاهين: سمعت أبا بكر بن أبي داود يقول: سمعت أبي يقول: أصح حديث في صلاة التسبيح حديث ابن عباس هذا، وقال الحاكم: ومما يستدل به عن صحته استعمال الأئمة له كابن المبارك، قال الترمذي : وقد رأى ابن المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسبيح وذكروا الفضل فيه .

وقال الحاكم في موضع آخر: أصح طرقه مما صححه ابن خزيمة؛ فإنه أخرجه هو، وإسحاق بن راهويه قبله، من طريق إبراهيم بن الحكم، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس . اهـ ، وقال صاحب القوت: وقد روينا فيها إحداهما حديث الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس فساقه، ولم يجاوز الشهر، ثم قال بعد ذلك: حدثنا عن أبي داود السجستاني يقال: ليس في صلاة التسبيح حديث أصح من هذا، فذكر هذه الرواية أنه يسبح في القيام خمس عشرة بعد القراءة، وأنه يسبح عشرا بعد السجدة الثانية في الركعة الأولى قبل القيام كأنه يجلس جلسة قبل أن ينهض، وفي الركعة الثانية أيضا كذلك قبل التشهد .

التالي السابق


الخدمات العلمية