إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ففي النهي في أوقات الكراهية مهمات ثلاثة أحدها التوقي من مضاهاة عبدة الشمس .

والثاني الاحتراز من انتشار الشياطين إذ قال صلى الله عليه وسلم : إن الشمس لتطلع ومعها قرن الشيطان فإذا طلعت قارنها وإذا ، ارتفعت فارقها فإن ، استوت قارنها ، فإذا زالت فارقها ، فإذا تضيفت للغروب قارنها ، فإذا غربت فارقها ونهى ، عن الصلوات في هذه الأوقات ، ونبه به على العلة .

والثالث : أن سالكي طريق الآخرة لا يزالون يواظبون على الصلوات في جميع الأوقات .

والمواظبة على نمط واحد من العبادات يورث الملل .

ومهما منع منها ساعة زاد النشاط وانبعثت الدواعي والإنسان حريص على ما منع منه .


( ففي النهي) ، عن الصلاة ( في أوقات الكراهة مهمات ثلاثة) أولا: نذكر أحاديث النهي، روى نافع عن ابن عمر مرفوعا: لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس، ولا عند غروبها، رواه الشيخان، وعندهما أيضا من حديثه: إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى ترتفع.

وعند مسلم من حديث عقبة بن عامر: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وحين تضيف الشمس للغروب.

وعند مسلم أيضا من حديث عمرو بن عتبة قال: قلت: يا نبي الله، أخبرني عن الصلاة. قال: صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل، فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإن حينئذ تسجر جهنم، فإذا أقبل الفيء فصل، فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلى العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكافر.

( أحدها الترقي عن مضاهاة عبدة الشمس) ، وهم الكفار، فإن الشيطان يسول لهم أن يسجدوا لها في هذه الأوقات ( والثاني الاحتراز من انتشار الشياطين) فإنها تنتشر في هذه الأوقات؛ (إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشمس لتطلع ومعها قرن الشيطان) ، قيل: هو حقيقة، وقيل: محمول على المجاز كما سيأتي، ( فإذا طلعت قارنها، فإذا ارتفعت فارقها، فإذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، فإذا تضيفت) أي مالت ( للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها، فنهى عن الصلاة في هذه الأوقات، ونبه به على العلة) .

قال العراقي : رواه النسائي من حديث عبد الله الصنابحي، وهو مرسل، ومالك هو الذي يقول عبد الله الصنابحي، ووهم فيه، وإنما هو عبد الرحمن، ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 485 ] . اهـ .

والمعنى مقارنة الشيطان الشمس في هذه الأوقات، وعليه حمل الخطابي ما رواه البخاري في صفة إبليس وجنوده من رواية عبدة عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ابن عمر ، فإنها تطلع بين قرني شيطان أو الشيطان .

وكذلك عند مسلم من رواية هشام بلفظ: "فإنها تطلع بقرني شيطان"، وأشار بذلك إلى العلة في النهي عن الصلاة في هاتين الحالتين، وقيل: معنى قرن الشيطان قوته من قولك: أنا مقرن لهذا الأمر أي: مطيق له قوي عليه؛ وذلك لأن الشيطان إنما يقوى أمره في هذه الأوقات؛ لأنه يسول لعبدة الشمس أن يسجدوا لها في هذه الأوقات، وقيل: قرنه حزبه وأصحابه الذين يعبدون الشمس، وقيل: إن هذا تمثيل وتشبيه؛ وذلك أن تأخير الصلوات إنما هو من تسويل الشيطان لهم، وتزيينه ذلك في قلوبهم، وذوات القرون إنما تعالج الأشياء أو تدفعها بقرونها، وقيل: إن الشيطان يقابل الشمس عند طلوعها، وينتصب دونها حتى يكون طلوعها بين قرنيه، وهما جانبا رأسه فينقلب سجود الكفار للشمس عبادة له. اهـ كلام الخطابي، وقال عياض: ومعنى قرني الشيطان هنا يحتمل الحقيقة والمجاز، وإلى الحقيقة ذهب الداودي وغيره، ولا بعد فيه، وقد جاءت آثار مصرحة بغروبها على قرني الشيطان، وأنها تريد عند الغروب السجود لله تعالى، فيأتي شيطان بعدها فتغرب بين قرنيه، ويحرقه الله، وقد قيل: إن الشيطان حينئذ يجعلها بين قرنيه ليغالط نفسه فيمن يعبدها، ويسجد لها عند طلوعها وغروبها، وأنهم إنما يسجدون له، وقيل: قرنه علوه وارتفاعه بهذا، وقيل: معناه المجاز، والاتساع، وإن قرني الشيطان أو قرنه الأمة التي تعبد الشمس، وتطيعه في الكفر بالله، وأنها لما كانت تسجد لها ويصلي من يعبدها من الكفار حينئذ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم، ويعضد هذا التأويل قوله في بعض طرق الحديث: "فإنها تطلع على قرن الشيطان، ويصلي لها الكفار" ، وفي رواية: يسجد لها الكفار، وقيل: قرنه قوته، وسلطانه، وهو عبادة من عبدها حينئذ ممن أطاعه، وقال الحربي في غريب الحديث: قرنا الشيطان ناحيتا رأسه، وقال: هذا مثل أي حين يتسلط الشيطان، وصحح النووي الوجه الأخير في كلام الخطابي، وعزا للخطابي الجزم بالوجه الرابع، وقد عرفت أنه حكى هنا خمسة أوجه من غير ترجيح، والله أعلم .

( والثالث: أن سالكي طريق الآخرة) من أهل الخصوص ( لا يزالون يواظبون على الصلاة في جميع الأوقات) ؛ لأنها وصلة بينهم وبين الله تعالى، فلا يفترون عنها، بل الدنيا عندهم كلها بمنزلة ساعة واحدة يشغلونها بالطاعة، ( والمواظبة على نمط واحد من العبادات) مما ( يورث الملال) ، والفتور في الطبيعة عن الإقدام والإقبال، ( ومهما منع منها ساعة زاد النشاط) ، واستجدت النشأة ( وانبعث الدواعي) من كل جانب ( والإنسان) كما قيل ( حريص على ما منع منه) ، وقد جاء في المرفوع رواه عبد الله بن أحمد في رواية المسند والطبراني، ومن طريقهما الديلمي في مسند الفردوس من حديث يوسف بن عطية، عن هارون بن كثير، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر رفعه بلفظ: "إن ابن آدم لحريص على ما منع" .

قال السخاوي في المقاصد: وسنده ضعيف، وقوله: ابن أسلم. تحريف، والصواب: سالم، وحينئذ، فالثلاثة مجهولون لقول أبي حاتم عقب حديث لهارون، عن زيد بن سالم، عن أبيه، عن أبي أمامة: هذا باطل لا أعرف من الإسناد سوى أبي أمامة. ا هـ .

ويوسف بن عطية الصفار أورده الذهبي في الضعفاء، وقال: ضعفه أبو زرعة والدارقطني .

التالي السابق


الخدمات العلمية