إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
صاع مما يقتات بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو منوان وثلثا من يخرجه
والواجب في الفطرة (صاع مما يقتات بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو منوان وثلثا من) قد تقدم تقدير المن والكلام فيه .

وفي قدر الصاع النبوي اختلاف بين الأئمة؛ فقال مالك والشافعي وأحمد: هو خمسة أرطال وثلث بالبغدادي، قال الرفاعي: وهي ستمائة درهم وثلاثة وتسعون درهما وثلث درهم .

قال النووي: هذا الذي قاله على مذهب من يقول: رطل بغداد مائة وثلاثون درهما، ومنهم من يقول: مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، وهو الأرجح وبه الفتوى، فعلى هذا الصاع ستمائة درهم وثمانون وخمسة أسباع درهم، والله أعلم .

قلت: وذكره صاحب القاموس عن الماوردي هكذا، ثم قال: وجربته فوجدته صحيحا اهـ .

وذكر هنا أنه قدحان بكيل القاهرة، وقد تقدم شيء من ذلك عن القمولي في زكاة المعشرات، وينبغي أن يزيد شيئا يسيرا؛ لاحتمال اشتمالهما على طين وتبن أو نحو ذلك، قال ابن الرفعة: كان قاضي القضاة عماد الدين ابن السكري -رحمه الله تعالى- يقول حين يخطب بمصر خطبة عيد الفطر: والصاع قد حان بكيل بلدكم هذه، سالم من الطين والعيب والغلث، ولا يجزئ في بلدكم هذه إلا القمح اهـ .

وذكر القفال الشاشي في محاسن الشريعة معنى لطيفا في إيجاب الصاع، وهو أن الناس تمتنع غالبا من الكد في العيد وثلاثة أيام بعده، ولا يجد الفقير من يستعمله فيها؛ لأنها أيام سرور وراحة عقب الصوم، والذي يتحصل من الصاع عند جعله خبزا ثمانية أرطال من الخبز؛ فإن الصاع خمسة أرطال وثلث، ويضاف إليه من الماء نحو ثلثين فيأتي منه ذلك، وهو كفاية النفقة أربعة أيام، لكل يوم رطلان، وقال ابن الصباغ وغيره: الأصل فيه الكيل، وإنما قدره العلماء بالوزن استظهارا .

قال النووي: قد يستشكل ضبط الصاع بالأرطال، فإن الصاع المخرج به في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مكيال معروف، ويختلف قدره وزنا باختلاف جنس ما يخرج كالذرة والحمص وغيرهما؛ فالصواب ما قاله أبو الفرج الدارمي من أصحابنا أن الاعتماد في ذلك على الكيل دون الوزن، وأن الواجب أن يخرج بصاع معين بالصاع الذي كان يخرج به في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك الصاع موجود، ومن لم يجده وجب عليه إخراج قدر يتيقن أنه لا ينقص عنه، وعلى هذا فالتقدير بخمسة أرطال وثلث تقريبا، وقال جماعة من العلماء: الصاع أربع حفنات بكفي رجل معتدل الكفين، والله أعلم .

(فصل)

وقال أبو حنيفة ومحمد: الصاع النبوي ثمانية أرطال بالبغدادي، وهو مذهب أهل العراق، وقال أبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار: حدثنا ابن أبي عمران، حدثنا محمد بن شجاع، وسليمان بن بكار، وأحمد بن منصور الرمادي، قالوا: حدثنا يعلى بن عبيد عن موسى الجهني عن مجاهد قال: دخلنا على عائشة رضي الله عنها فاستسقى بعضنا فأتي بعك، قالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بمثل هذا، قال مجاهد: فحزرته فيما أحزر ثمانية أرطال، تسعة أرطال، عشرة أرطال؟ قال: فذهب ذاهبون إلى أن وزن الصاع ثمانية أرطال، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث، وقالوا: لم يشك مجاهد في الثمانية، وإنما شك فيما فوقها، فثبتت الثمانية بهذا الحديث، وانتفى ما فوقها، ومن قال بهذا القول أبو حنيفة رحمه الله تعالى، وخالف في ذلك آخرون فقالوا: وزنه خمسة أرطال وثلث رطل، وممن قال بذلك أبو يوسف، وقالوا: هو الذي كان يغتسل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر ما في ذلك عن عائشة رضي الله عنها: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد. وهو الفرق، رواه الزهري عن عروة عنها، والفرق ثلاثة آصاع، فكان ما يغتسل به كل واحد منهما صاع ونصف، فإذا كان ذلك ثمانية أرطال كان الصاع ثلثها، وهو خمسة أرطال وثلث رطل، وهذا قول أهل المدينة أيضا، فكان من الحجة عليهم لأهل المقالة الأولى أن حديث عروة عن عائشة إنما فيه ذكر الفرق الذي كان يغتسل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي ولم تذكر مقدار الماء الذي كان يكون فيه، هل هو ملؤه أو أقل من ذلك؟ فقد يجوز بملئه ويجوز أن يكون بأقل [ ص: 55 ] من ملئه مما هو صاعان، فيكون كل واحد منهما مغتسلا بصاع من ماء، ويكون معنى هذا الحديث موافقا لمعاني الأحاديث التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يغتسل بصاع؛ فإنه قد روي عنه في ذلك ما حدثنا فهر، حدثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني، أخبرنا عبد الرحيم بن سليمان، عن حجاج، عن إبراهيم، عن صفية بنت شعبة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع.

وحدثنا أحمد بن داود، حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا همام عن قتادة عن صفية بنت شعبة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بقدر الصاع، ويتوضأ بقدر المد.

وفي بعض الروايات عنها بالمد ونحوه. وحدثنا أبو أمية، حدثنا حيوة بن سريج، حدثنا بقية، عن عتبة بن أبي حكيم، حدثني عبد الله بن عبد الله ابن جبير بن عتيك قال: سألنا أنسا عن الوضوء الذي يكفي الرجل من الماء؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ من مد فيسبغ الوضوء، وعسى أن يفضل منه. قال: وسألنا عن الغسل من الجنابة، كم يكون من الماء؟ قال: الصاع، فسألت عنه أعني النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الصاع؟ قال: نعم، مع المد.

قد روي عن جابر مثل ذلك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع. وعن سفينة مولى أم سلمة مثل ذلك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسله الصاع من الماء، ويوضئه المد. قال: ففي هذه الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بصاع، وليس مقدار الصاع كم هو؟ .

وفي حديث مجاهد عن عائشة ذكر ما كان يغتسل به، وهو ثمانية أرطال، وفي حديث عروة عن عائشة أنها كانت تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد هو الفرق، ففي هذا الحديث ذكر ما كانا يغتسلان منه خاصة، وليس فيه ذكر مقدار الماء الذي كانا يغتسلان به، وفي الآثار الأخر مقدار ذكر الماء الذي كان يغتسل به وإن كان صاعا، فثبت بذلك لما صحت هذه الآثار وجمعت وكشفت معانيها، أنه كان يغتسل من إناء هو الفرق، وبصاع وزنه ثمانية أرطال؛ فثبت بذلك ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله تعالى، وقد قال بذلك أيضا محمد بن الحسن، وقد روي عن أنس بن مالك أيضا ما يدل على هذا المعنى، حدثنا ابن أبي عمران، حدثنا يحيى بن عبد الحميد، حدثنا شريك عن عبد الله بن عيسى عن ابن جبير عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد وهو رطلان، وحدثنا فهر، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا شريك عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله، يعني ابن جبير، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ برطلين ويغتسل بالصاع، فهذا أنس قد أخبر أن مد رسول الله صلى الله عليه وسلم رطلان، والصاع أربعة أمداد، فإذا ثبت أن المد رطلان ثبت أن الصاع ثمانية أرطال، فإن قال قائل: فإن أنس بن مالك قد روي عنه خلاف هذا، فذكر ما حدثنا أحمد بن داود، حدثنا أبو الوليد الطيالسي، حدثنا شعبة، أخبرنا عبد الله بن عبد الله بن جبير، سمع أنس بن مالك يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمكوك ويغتسل بخمس مكاك، قال: فهذا الحديث يخالف الحديث الأول، قيل له: فما في هذا عندنا خلاف له؛ لأن حديث شريك إنما فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد. وقد وافقه على ذلك عتبة بن أبي حكيم، فروى عن عبد الله بن جبير نحوا من ذلك، فلما روى شعبة ما ذكرنا عن عبد الله بن جبير احتمل أن يكون أراد بالمكوك المد؛ لأنهم كانوا يسمون المد مكوكا، فيكون الذي كان يتوضأ به مدا، ويكون الذي يغتسل به خمسة مكاك، يغتسل بأربعة منها، وهي أربعة أمداد، وهي صاع، ويتوضأ بآخر، وهو مد؛ فجمع في هذا الحديث ما كان يتوضأ به للجنابة وما كان يغتسل به لها، وأفرد في حديث عنه ما كان يغتسل به لها خاصة دون ما كان يتوضأ به، وإن كان للوضوء لها أيضا، وسمعت ابن عمران يقول: سمعت ابن الثلجي يقول: إنما قدر الصاع على وزن ما يعتدل كيله ووزنه من من الماش والزبيب والعدس، فإنه يقال: إن كيل ذلك ووزنه سواء. حدثنا ابن أبي عمران، أخبرنا علي بن أبي صالح وبشر بن الوليد جميعا عن أبي يوسف قال: قدمت المدينة، فأخرج إلي من أثق به صاعا، فقال: هذا صاع النبي صلى الله عليه وسلم، فقدرته فوجدته خمسة أرطال وثلثا، وسمعت [ ص: 56 ] ابن أبي عمران يقول: يقال: إن الذي أخرج هذا لأبي يوسف هو مالك بن أنس، وسمعت أبا حازم يذكر أن مالكا سئل عن ذلك، فقال: هو تحري عبد الملك لصاع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكان مالك لما ثبت عنده أن عبد الملك تحرى ذلك من صاع عمر، وصاع عمر صاع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قدر صاع عمر على خلاف ذلك، حدثنا أحمد بن داود، حدثنا يعقوب بن حمد، حدثنا وكيع عن علي بن صالح عن ابن إسحاق عن موسى بن طلحة قال الحجاجي: صاع عمر بن الخطاب، حدثنا أحمد، حدثنا يعقوب، حدثنا وكيع عن أبيه عن أبي مغيرة عن إبراهيم قال: عبرنا الصاع فوجدناه حجاجيا، والحجاجي عندهم ثمانية أرطال بالبغدادي، حدثنا ابن أبي داود، حدثنا سفيان بن بشر الكوفي، حدثنا شريك عن مغيرة وعبيدة عن إبراهيم قال: وضع الحجاج قفيزه على صاع عمر رضي الله عنه. فهذا أولى مما ذكر مالك من تحري عبد الملك؛ لأن التحري ليس معه حقيقة، وما ذكره إبراهيم وموسى بن طلحة من العيار معه حقيقة، فهذا أولى. اهـ .

سياق أبي جعفر الطحاوي، قلت: وقول موسى بن طلحة أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف عن وكيع عن علي بن صالح مثله سندا ومتنا، وروي عن يحيى بن آدم عن ابن شهاب عن حجاج عن فضيل عن إبراهيم قال: قفيز الحجاج هو الصاع .

وروي عن جرير عن يزيد بن أبي زياد عن ابن أبي ليلى قال: عبرنا صاع المدينة فوجدناه يزيد مكيالا عن الحجاجي، وعن جرير عن مغيرة قال: ما كان يفتي فيه إبراهيم في كفارة يمين أو في إطعام ستين مسكينا أو فيما فيه العشر ونصف العشر؟ قال: كان يفتي بقفيز الحجاج قال: هو الصاع .

وعن يحيى بن آدم قال: سمعت حسنا، يعني حسن بن صالح، يقول: صاع عمر ثمانية أرطال، وقال شريك: أكثر من سبعة أرطال وأقل من ثمانية اهـ .

سياق المنصف: وقال صاحب المصباح من الشافعية: الصاع مكيال، وصاع النبي صلى الله عليه وسلم الذي بالمدينة أربعة أمداد، وذلك خمسة أرطال وثلث بالبغدادي، وقال أبو حنيفة: الصاع ثمانية أرطال؛ لأنه الذي تعامل به أهل العراق، ورد بأن الزيادة عرف طارئ على عرف؛ لما حكي أن أبا يوسف لما حج مع الرشيد فاجتمع بمالك في المدينة وتكلما في الصاع، فقال أبو يوسف: الصاع ثمانية أرطال، وقال مالك: صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أرطال وثلث، ثم أحضر مالك جماعة ومعهم عدة أصواع فأخبروا عن آبائهم أنهم كانوا يخرجون بها الفطرة، ويدفعونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعايروها جميعا، فكانت خمسة أرطال وثلثا، فرجع أبو يوسف عن قوله إلى ما أخبره به أهل المدينة.

وسبب الزيادة ماحكاه الخطابي أن الحجاج لما ولي العراق كبر الصاع ووسعه على أهل الأسواق للتسعير، فجعله ثمانية أرطال، وقال الأزهري: وأهل الكوفة يقولون: الصاع ثمانية أرطال والمد عندهم ربعه، وصاعهم هو القفيز الحجاجي ولا يعرفه أهل المدينة.

وروى الدارقطني عن إسحاق بن سليمان قال: قلت لمالك أبا عبد الله: كم قدر صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: خمسة أرطال وثلث بالعراقي إن حزرته، قال: أبا عبد الله، خالفت شيخ القوم! قال: من هو؟ قلت: أبو حنيفة يقول: ثمانية أرطال، قال: فغضب غضبا شديدا، ثم قال لجلسائه: يا فلان هات صاع جدك، يا فلان هات صاع عمك، يا فلان هات صاع جدتك، قال: فاجتمع عنده عدة أصواع، فقال: هذا أخبرني أبي عن أبيه أنه كان يؤدي الفطرة بهذا الصاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا أخبرني أبي عن أخيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا أخبرني أبي عن أمه أنها كانت تؤدي بهذا الصاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

قال مالك: أنا حزرتها فكانت خمسة أرطال وثلثا اهـ .

والذي في التبيين أن الحجاج عاير صاعه على صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يفتخر به على أهل العراق، ويقول: ألم أخرج لكم صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ولذلك سمي بالحجاجي، فبطل به ما نقله الخطابي: أن الحجاج لما ولي العراق كبر الصاع ووسعه على أهل الأسواق بالتسعير، وقال البيهقي في السنن: باب ما دل على أن صاعه صلى الله عليه وسلم كان خمسة أرطال وثلثا، وذكر فيه عن الحسين بن الوليد: لقيت مالكا فسألته عن الصاع.. ثم ساق نحوا من سياق الدارقطني الذي مضى، وفيه: فلقيت عبد الله بن يزيد بن أسلم، فقال: حدثني أبي عن جدي أن هذا صاع عمر. [ ص: 57 ] قلت: وهذا السند ينظر فيه، فإن عبد الله هذا ضعفه الجمهور .

كذا قاله الذهبي، وقال ابن المديني: ليس في بني زيد بن أسلم ثقة، وقال البيهقي نفسه في باب الحوت يموت في الماء: أولاده كلهم ضعفاء؛ عبد الرحمن وأسامة وعبد الله، ثم ذكر البيهقي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع ثمانية أرطال، ثم ذكر: أن صاع الزكاة وصاع الغسل مختلفان، وإن قدر ما يغسل به كان مختلفا باختلاف الاستعمال، قال: فلا معنى لترك الأحاديث الصحيحة في قدر الصاع المعد لزكاة الفطر اهـ .

ولم يذكروا حديثا واحدا فيه تعيين قدر الصاع المعد لزكاة الفطر، وأنه خمسة أرطال وثلث؛ فتأمل وأنصف. والجماعة الذين أخبروا مالكا بالصاع لا تقوم بهم حجة؛ لكونهم مجهولين، نقلوا عن مجهولين مثلهم، وربما احتج أهل المقالة الأولى بما رواه ابن خزيمة وابن حبان من حديث أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله، صاعنا أصغر الصيعان ومدنا أكبر الأمداد، فقال: اللهم بارك لنا في صاعنا وبارك لنا في قليلنا وكثيرنا، واجعل لنا مع البركة بركتين، أي: وخمسة أرطال وثلث أصغر من الثمانية، وهذا ليس فيه دلالة على ما قالوا، وإنما يثبت أنه أصغر، وجاز أن يكون ثمانية أرطال أصغر الصيعان، بل هو الظاهر؛ لأنهم كانوا يستعملون الصاع الهاشمي، وهو أكبر من الحجاجي؛ لأن الهاشمي اثنان وثلاثون رطلا .

(تنبيه آخر)

وبعض علمائنا قد رفع الخلاف بين أبي حنيفة وأبي يوسف، فقال: وجد أبو يوسف الصاع خمسة أرطال وثلثا برطل المدينة، وأبو حنيفة يقول: الصاع ثمانية أرطال بالبغدادي، وهي تعدل خمسة أرطال وثلثا بالمدني؛ لأن الرطل المدني ثلاثون إستارا، والبغدادي عشرون إستارا، والإستار بالكسر ستة دراهم ونصف، وإذا قابلت ثمانية أرطال بالبغدادي بخمسة أرطال وثلث بالمدني وجدتها سواء، أعني ألفا وأربعين درهما .

قال الزيلعي: وهذا أشبه؛ لأن محمدا لم يذكر في المسألة خلاف أبي يوسف، ولو كان فيها خلاف لذكره، وهو أعرف بمذهبه اهـ .

ورده في الينابيع بأن الخلاف ثابت بينهم في الحقيقة. اهـ .

وقال بعض معاصري شيوخ مشايخنا ما نصه: تمام هذا الكلام يحتاج إلى إثبات نفي ما تقدم من أن أبا يوسف حرره بالرطل المدني، وهو أكثر من الرطل البغدادي، وإلى نفي ما قالوه من أن الرطل كان في زمن أبي حنيفة عشرين إستارا، وزاد في عصر أبي يوسف فصار ثلاثين إستارا، فالرطل في زمن أبي حنيفة كان مائة وثلاثين درهما، وفي زمن أبي يوسف مائة وخمسة وتسعين درهما، فإذا قابلتهما تجد كل واحد منهما ألفا وأربعين درهما، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية