إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
(الأحوال المتعلقة بمصنف هذا الكتاب، وهي مشتملة على أحد وعشرين فصلا، وخاتمة) .

(الفصل الأول في ترجمته)

قال ابن السبكي في طبقاته: هو الإمام الجليل محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، أبو حامد الغزالي، حجة الإسلام، ومحجة الدين التي يتوصل بها إلى دار السلام، جامع أشتات العلوم، والمبرز في المنطوق فيها والمفهوم، جرت الأئمة قبله بشأو، ولم تقع منه بالغاية، ولا وقف عند مطلب وراءه مطلب لأصحاب النهاية والبداية، حتى أخمد من القرناء كل خصم بلغ مبلغ السها، وأخمد من نيران البدع كل ما لا يستطيع أيدي المجالدين مسها ، كان ضرغاما إلا أن الأسود تتضاءل بين يديه وتتوارى، وبدرا تماما إلا أن هذا لا يشرق نهارا، وبشرا من الخلق ولكنه الطود العظيم، وبعض الخلق، ولكن مثل ما بعض الحجر الدر النظيم، جاء والناس إلى رد فرية الفلاسفة أحوج من الظلماء لمصابيح السماء، وأفقر من الجدباء إلى قطرات الماء، فلم يزل يناضل عن الدين الحنيفي بجلاد مقاله، ويحمي حوزته، ولا يلطخ بدم المعتدين حد نصاله، حتى أصبح الدين وثيق العرا، وانكشفت غياهب الشكوك وما كانت إلا حديثا يفترى، هذا مع ورع طوى عليه ضميره، وخلوة لم يتخذ فيها غير الطاعة سميره، وتجريد تراه به، وقد توحد في بحر التوحيد وباهى:


ألقى الصحيفة كي يخفف رحله والزاد حتى نعله ألقاها

ترك الدنيا وراء ظهره، وأقبل على الله تعالى يعامله في سره وجهره .

وزاد المناوي في طبقاته بعد قوله في أول الترجمة في المنطوق منها والمفهوم، ما نصه: بحر ليس للبحر ما عنده من الجواهر، وحبر سما على السماء، وأين للسماء مثل ما له من الزواهر، وروضة علم تستقل الرياض نفسها أن تحكي ما لديه من الأزاهر، انتظمت بقدره العظيم عقود الملة الإسلامية، وابتسمت بدره النظيم ثغور الشريعة المحمدية، فغاص من العلوم في بحار عميقة، وروض نفسه في دفع أهل البدع وسلوك الطريقة .

وقال أبو إبراهيم الفتح بن علي البغدادي في ذيله على تاريخ بغداد: هو من لم تر العيون مثله لسانا ونطقا وبيانا وخاطرا وذكاء وطبعا .

وقال ابن المقرئ في تحفة الإرشاد إلى سبيل الرشاد ما نصه: باسمه تنشرح الصدور وتحيا النفوس، وبرسمه تفتخر المحابر وتشتهر الطروس، ولسماعه تخشع الأصوات وتخضع الرؤوس .

وترجمه الحافظ أبو القاسم بن عساكر في تاريخه، فأطال فيها، وكذا الحافظ ابن السمعاني نحوا منه .

وقال الحافظ محب الدين بن النجار الحنبلي في ذيله على تاريخ بغداد ما نصه: إمام الفقهاء على الإطلاق، ورباني الأمة بالاتفاق، ومجتهد زمانه، وعين وقته وأوانه، ومن شاع ذكره في البلاد، واشتهر فضله بين العباد، واتفقت الطوائف على تبجيله وتعظيمه وتوقيره [ ص: 7 ] وتكريمه، وخافه المخالفون، وانقهر بحججه المناظرون، وظهر بتنقيحاته فضائح المبتدعة والمخالفين، وقام بنصر السنة وإظهار الدين، وسارت مؤلفاته في الدنيا مسير الشمس في البهجة والجمال، وشهد له الموافق والمخالف بالتقدم والكمال .

التالي السابق


الخدمات العلمية