إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الرابع : الإمساك عن الجماع وحده بتغييب الحشفة وإن جامع ناسيا لم يفطر وإن جامع ليلا أو احتلم فأصبح جنبا لم يفطر وإن طلع الفجر وهو مخالط أهله فنزع في الحال صح صومه فإن صبر فسد ولزمته الكفارة .


(الرابع : الإمساك عن الجماع وحده بتغييب الحشفة) أي : رأس الذكر وهو مبطل للصوم بالإجماع (فإن جامع ناسيا) للصوم فقد نقل المزني أنه (لم يفطر) وقال النووي في الروضة : هو الأصح وقال الرافعي : وللأصحاب فيه طريقان : أصحهما : القطع بأنه يبطل صومه كما نقله اعتبارا بالأكل ، والثاني : أنه يخرج على قولين كما في جماع المحرم ناسيا ومن قال بهذا أنكر ما نقله المزني وقال : لا نص للشافعي -رضي الله عنه- وقال أصحابنا : وإذا ثبت في الأكل والشرب ثبت في الجماع دلالة لأنه في معناه وقال في الهداية للاستواء في الركنية أي : إن الركن واحد وهو الكف عن كل منهما فتساوت كلها في أنها متعلق الركن لا يفضل واحد منهما على أخويه بشيء في ذلك فإذا ثبت في فوات الكف عن بعضها ناسيا عدمه بالنسيان وإبقاء صومه كان ثابتا أيضا في فوات الكف ناسيا عن أخويه يحكم بذلك كل من علم ذلك الاستواء ثم علم ذلك الثبوت وإن لم يكن من أهل الاجتهاد .

(وإن جامع ليلا) ثم نام ولم ينتبه حتى الصباح (أو احتلم) ليلا (فأصبح) صائما بالنية (جنبا لم يفطر) وصح صومه بالإجماع وإن أخر الاغتسال بعد طلوع الفجر مع استحبابهم لهما الغسل قبل طلوعه .

(وإن طلع الفجر وهو مخالط ) أي : مجامع (أهله فنزع في الحال صح صومه) نص عليه في المختصر قال الرافعي : وتصوير المسألة على ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يحس وهو مجامع بتباشير الصبح فينزع بحيث يوافق آخر النزع ابتداء الطلوع .

والثاني : أن يطلع الصبح وهو مجامع ويعلم بالطلوع كما طلع وينزع كما علم .

والثالث : أن يمضي زمان بعد الطلوع ثم يعلم به .

أما هذه الصورة الثالثة فليست مرادة بالنص بل الصوم فيها باطل وإن نزع كما علم لأن النهار مضى وهو مشغول بالجماع فأشبه الغالط بالأكل هذا ظاهر المذهب وعلى الصحيح لو مكث في هذه الصورة فلا كفارة عليه لأن مكثه مسبوق ببطلان الصوم وأما الصورتان الأوليان فقد حكى الموفق بن طاهر أن أبا إسحاق قال : النص محمول على الصورة الأولى أما إذا طلع وأخرج فسد صومه ولا شك في صحة الصوم في الصورة الأولى لكن حمل النص عليها والحكم بالفساد في الثانية مستبعد بل قضية كلام الأئمة نقلا وتوجيها أن المراد من مسألة [ ص: 212 ] النص الصورة الثانية وحكوا فيها خلاف مالك وأحمد والمزني واحتجوا عليهم بأن النزع ترك الجماع فلا يتعلق به ما يتعلق بالجماع (فإن) طلع الفجر وعلم به كما طلع و (صبر) أي : مكث ولم ينزع (فسد صومه) أي : لم ينعقد لوجود المنافي (ولزمته الكفارة) نص عليه في المختصر وأشار فيما إذا قال لامرأته إن وطئتك فأنت طالق ثلاثا فغيب الحشفة وطلقت ومكث إلى أنه لا يجب المهر وعند أبي حنيفة وتجب الكفارة بالمكث واختاره المزني وساعدنا مالك وأحمد على الوجوب والخلاف جار فيما إذا جامع ناسيا ثم تذكر الصوم واستدام فإن قيل : كيف يعلم الفجر بمجرد طلوعه وطلوعه الحقيقي يتقدم على علمنا به ؟ فأجاب الشيخ أبو محمد بجوابين :

أحدهما : أنها مسألة علمية على التقدير ولا يلزم وقوعها .

والثاني : أنا تعبدنا بما نطلع عليه ولا معنى للصبح إلا ظهور الضوء للناظر وما قبله لا حكم له فإذا كان الشخص عارفا بالأوقات ومنازل القمر فترصد بحيث لا حائل فهو أول الصبح المقيد .

قال النووي في زوائد الروضة : هذا الثاني هو الصحيح وفي الإفصاح لابن هبيرة : اختلفوا فيما إذا طلع الفجر وهو مخالط فقال أبو حنيفة : إن نزع في الحال صح صومه ولا شيء عليه وإن استدام فعليه القضاء ولا كفارة عليه ، وقال مالك : إن استدام فعليه القضاء والكفارة وإن نزع فالقضاء فقط ، وقال الشافعي : إن نزع مع طلوع الفجر صح صومه وإن لم ينزع بل استدام وجب عليه القضاء والكفارة ، وقال أحمد : إذا طلع الفجر وهو مخالط فعليه القضاء والكفارة معا وسواء نزع في الحال أو استدام. أهـ .

وفي كتب أصحابنا لو بدأ بالجماع ناسيا فتذكر إن نزع من ساعته لم يفطر وإن دام على ذلك حتى أنزل فعليه القضاء ثم قيل : لا كفارة عليه وقيل : هذا إذا لم يحرك نفسه بعد التذكر حتى أنزل فإن حرك نفسه بعد فعليه كما لو نزع ثم أولج ولو جامع عامدا قبل الفجر فطلع وجب النزع في الحال فإن حرك نفسه فهو على هذا نظيره ما قالوا أولج ثم قال لها : إن جامعتك فأنت طالق أو حرة إن نزع أو لم ينزع ولم يتحرك حتى أنزل لا تطلق ولا تعتق وإن حرك نفسه طلقت وعتقت ويصير مراجعا بالحركة الثانية ويجب للأمة المهر ولا حد عليهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية