إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الوظيفة السادسة أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه فلا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله فينفره أو يخبط عليه عقله اقتداء في ذلك بسيد البشر صلى الله عليه وسلم حيث قال : نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ونكلمهم على قدر عقولهم فليبث إليه الحقيقة إذا علم أنه يستقل بفهمها وقال صلى الله عليه وسلم : ما أحد يحدث قوما بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم وقال علي رضي الله عنه وأشار إلى صدره إن ههنا لعلوما جمة لو وجدت لها حملة وصدق رضي الله عنه فقلوب الأبرار قبور الأسرار .

فلا ينبغي أن يفشي العالم كل ما يعلم إلى كل أحد هذا إذا كان يفهمه المتعلم ولم يكن أهلا للانتفاع به فكيف فيما لا يفهمه وقال عيسى عليه السلام : لا تعلقوا الجواهر في أعناق الخنازير فإن الحكمة خير من الجوهر ومن كرهها فهو شر من الخنازير ولذلك قيل كل لكل عبد بمعيار عقله وزن له بميزان فهمه حتى تسلم منه وينتفع بك وإلا وقع الإنكار لتفاوت المعيار وسئل بعض العلماء عن شيء فلم يجب فقال السائل : أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كتم علما نافعا جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار فقال اترك اللجام واذهب فإن جاء من يفقه وكتمته فليلجمني فقد قال الله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم تنبيها على أن حفظ العلم ممن يفسده ويضره أولى وليس الظلم في إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم في منع المستحق .


أأنثر درا بين سارحة النعم فأصبح مخزونا براعية الغنم     لأنهم أمسوا بجهل لقدره
فلا أنا أضحى أن أطوقه البهم     فإن لطف الله اللطيف بلطفه
وصادفت أهلا للعلوم وللحكم     نشرت مفيدا واستفدت مودة
وإلا فمخزون لدي ومكتتم     فمن منح الجهال علما أضاعه
ومن منح المستوجبين فقد ظلم

.


( الوظيفة السادسة) من وظائف المعلم:

( أن يقتصر) المعلم ( بالمتعلم على قدر فهمه) وذلك هو الجلي اللائق بحاله من تقريراته ( فلا يلقي عليه ما لا يبلغه عقله) ولا ينتهي إليه ولا يسعه لصعوبته ودقته ( فنفره) فيكون ذلك سببا لقطعه عن طريق العلم ( أو يخبط عليه عقله) فيقع في مقام الحيرة والذهول ( اقتداء في ذلك) واتباعا ( بسيد البشر صلى الله عليه وسلم حيث قال: نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ونكلم الناس على قدر عقولهم) قال العراقي: رويناه في جزء من حديث أبي بكر بن الشخير من حديث ابن عمر أخصر منه، وعند أبي داود من حديث عائشة: أنزلوا الناس منازلهم اهـ .

فهما حديثان مستقلان أوردهما المصنف في سياق واحد، وربما يوهم أنهما حديث واحد، قال الحافظ السخاوي في كتابه الجواهر والدورقي في مناقب شيخه الحافظ ابن حجر بعد أن ساق لفظ المصنف ما لفظه: ما وقفت عليه بهذا اللفظ في حديث واحد بل الشق الأول في حديث عائشة كما سيأتي بيانه، والثاني رويناه في الجزء الثاني من حديث ابن الشخير من حديث ابن عمر مرفوعا: أمرنا معاشر الأنبياء أن نكلم الناس على قدر عقولهم اهـ .

أما حديث عائشة ففي الحلية لأبي نعيم من طريق ابن هشام الرفاعي وفي جزء لأبي سعد الكنجرودي من طريق إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قالا: واللفظ لابن الشهيد، نا يحيى بن يمان، عن الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي شبيب، قال: جاء سائل إلى عائشة رضي الله عنها فأمرت له بكسرة وجاء رجل ذو هيبة فأقعدته معها، فقيل لها: لم فعلت ذلك؟ قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم، قال الحافظ السخاوي: هذا حديث حسن، أورده مسلم في مقدمة صحيحة بلا إسناد حيث قال: ويذكر عن عائشة إلخ، فقال الثوري نقلا عن ابن الصلاح ما معناه أن ذلك لا يقتضي الحكم له بالصحة نظرا لعدم الجزم في إيراده ويقتضيه نظرا لاحتجاجه بروايته لإيراده إيراد الأصول والشواهد اهـ .

قال السخاوي: لكن قد جزم الحاكم بتصحيحه في النوع السادس عشر من معرفة علوم الحديث له فقال: صحت الرواية عن عائشة وساقها بلا إسناد وكذا صححه ابن خزيمة حيث أخرجه في كتاب السياسة من صحيحه، وكذا أخرجه البزار في مسنده كلاهما عن إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، وأخرجه أبو داود في الأدب من سننه عن علي بن إسماعيل، وابن أبي خلف، ثلاثتهم عن ابن يمان به، ثم قال أبو داود وميمون لم يدرك عائشة وأخرجه أبو أحمد العسكري في كتاب الأمثال له عن عبد الوهاب بن عيسى وصالح بن أحمد فرقهما كلاهما عن محمد بن يزيد الرفاعي هو أبو هشام ورواه أبو يعلى في مسنده عن أبي هشام، ورواه البيهقي في الأدب من طريق أبي هريرة محمد بن أيوب الجبلي عن يحيى بن يمان بالمتن فقط .

قلت: ومن طريق أبي هريرة هذا أخرجه أبو نعيم في الحلية بسياق يأتي للمصنف نظيره في أثناء الكتاب يذكر هناك إن شاء الله تعالى، وقال البزار عقب تخريجه لهذا الحديث، ويروى عن عائشة من غير هذا الوجه موقوفا .

قال السخاوي: ويشير إلى ما رواه أبو أسامة عن أسامة بن زيد عن عمر بن مخراق عن عائشة لكن قد أخرجه الخطيب في المتفق والمفترق والجامع كلاهما له، والبيهقي في الشعب والطبراني كلهم من طريق أحمد بن راشد البجلي الكوفي، والبيهقي والطبراني أيضا من طريق محمد بن عمار الموصلي [ ص: 343 ] والبيهقي وحده من طريق مسروق بن المرزبان ثلاثتهم، عن يحيى بن يمان، عن الثوري، عن أسامة مرفوعا: وقال الإمام أحمد إن رواية عمر عن عائشة مرسلة، وكذا قال البيهقي في الشعب، وقال السخاوي: عمر بن مخراق عن رجل عن عائشة مرسل روى عنه أسامة، وقال البيهقي في الأدب وكان يحيى رواه على الوجهين جميعا قال السخاوي: وفي الباب عن معاذ وجابر رضي الله عنهما، فأما الأول فرواه الخرائطي في مكارم الأخلاق له، من رواية عبد الرحمن بن غنم عن معاذ رضي الله رفعه: أنزل الناس منازلهم من الخير والشر، وأحسن أدبهم على الأخلاق الصالحة ولا يصح إسناده .

وأما الثاني: فرويناه في جزء الفسوي بسند ضعيف ولفظه: جالسوا الناس على قدر أحسابهم، وخالطوا الناس على قدر أديانهم، وأنزلوا الناس على قدر منازلهم، وداروا الناس بعقولكم. وفي مسند الفردوس من حديث جابر: أنزلوا الناس على قدر مروءاتهم ( فليبث) أي: يظهر ( إليه) أي: المتعلم ( الحقيقة إذا علم أنه يستقل فهمه لها) أي: يتحمله فهمه لمعرفتها ( قال صلى الله عليه وسلم: ما أحد يحدث قوما بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم) قد تقدم هذا الحديث عند ذكر الصنف الثاني من الشطح .

وقال العراقي: هناك ما لفظه أخرجه العقيلي في الضعفاء، وابن السني، وأبو نعيم في رياضة المتعلمين من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف، ولمسلم في مقدمة صحيحه موقوفا على ابن مسعود نحوه .

قلت: لفظ الحديث الذي تقدم في الباب الثالث: ما حدث أحدكم قوما بحديث لا يفهمونه إلا كان فتنة عليهم، ولفظ حديث ابن عباس: ما أنت محدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان على بعضهم فتنة ( وقال علي كرم الله وجهه) في حديث طويل يأتي ذكره قريبا ثم تنفس الصعداء، ( وأشار إلى صدر) الشريف وقال: هاه ( إن ههنا علوما جمة) أي: كثيرة، ونص القوت: علما جما ( لو وجدت لها حملة) ، ونص القوت: لو أجد لها حملة أي من يحملها ويفهمها ويعمل بها، وهذا في زمانه مع كثرة العارفين ووفرة أنوارهم وإخلاصهم، ثم قال رضي الله عنه: بل أجد لقنا غير مأمون يستعمل آلة الدين في طلب الدنيا، ويستطيل بنعم الله تعالى على أوليائه ويستظهر بحججه على خلقه، أو منقادا لأهل الحق منزوع الشك في قلبه، بأول عارض من شبهة لا بصيرة له وليسا من وعاة الدين في شيء لا ذا ولا ذلك إلى آخر ما قال ( وصدق عليه السلام) في قوله هذا ( فقلوب الأبرار قبور الأسرار) .

وهذه الجملة رويت كذلك من جملة كلماته البديعة أي إن الأسرار المكتومة التي أفاض الله بها على قلوب عبيده الأبرار والمتقين الأخيار قد قبرت ودفنت في تلك الصدور لعدم حامليها فدثرت لذلك من غير إفشائها ( فلا ينبغي أن يفشي) أي: يظهر ( العالم كل ما يعلمه) من معلوماته إلى كل أحد هذا إذا كان يفهمه المتعلم ولم يكن أهلا للانتفاع به، فكيف ( فيما لا يفهمه) هكذا في النسخ، وفي بعضها: هذا إذا كان من يفهمه من المستقلين ولم يكن أهلا للانتفاع به، والباقي سواء وهو قريب من الأول وهذا الذي أورده المصنف منتزع من سياق عبارة القوت فإنه قال بعدما أورد من انقباض شيخه أبي الحسن بن سالم من الاجتماع ما لفظه، وقد كان أبو الحسن رحمه الله تعالى يخرج إلى إخوانه ممن يراه أهلا لمكان علمه، فيجلس إليهم ويذاكرهم وربما أدخلهم إليه نهارا أو ليلا ولعمري إن المذاكرة تكون بين النظراء والمحادثة مع الإخوان والجلوس للعلم يكون للأصحاب والجواب عن المسائل نصيب العموم، وكان عند أهل هذا العلم أن علمهم مخصوص لا يصلح إلا للمخصوص والخصوص قليل فلم يكونوا ينطقون به إلا عند أهله، ويرون أن ذلك من حقه وأنه واجب عليه، كما وصفهم علي رضي الله عنه في قوله: حتى يودعوه أمثالهم ويزرعوه في قلوب أشكالهم، وكذلك جاءت الآثار بذلك عن نبينا صلى الله عليه وسلم ( وقال عيسى) ونص القوت: وفي حديث عيسى ( عليه السلام: لا تعلقوا الجواهر) ونص القوت: الجوهر ( في أعناق الخنازير فإن الحكمة خير من الجوهر ومن كرهها فهو شر من الخنازير) ونص القوت من الخنزير وهكذا هو في نسخة أيضا وأخرج الخطيب عن كعب قال: اطلبوا العلم لله [ ص: 344 ] وتواضعوا له ثم ضعوه في أهله فإنه قال بعض الأنبياء لا تلقوا دركم في أفواه الخنازير يعني بالدر العلم كذا في اللآلئ المصنوعة للسيوطي، وأورد صاحب القوت هنا قولا آخر لسيدنا عيسى عليه السلام وهو لا تضعوا الحكمة عند غير أهلها، فتظلموها إلخ .

قد تقدم ذكره للمصنف عند الصنف الثاني من الشطح مع ذكر أحاديث أخر مناسبة للمقام، وذكر صاحب القوت عن أبي عمران المكي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فسمعه يقول: إن لكل شيء عند الله حرمة ومن أعظم الأشياء حرمة الحكمة، فمن وضعها في غير أهلها طالبه الله بحقها، ومن طالبه خصمه، وقد سبق شيء من ذلك، وذكر أيضا بعد نقله قول سيدنا عيسى المتقدم ذكره ما لفظه: وكان بعض هذه الطائفة يقول نصف هذا العلم سكوت، ونصفه تدري أي تصنع، وقد قال بعض العارفين من كلم الناس مبلغ علمه، وبمقدار عقله، ولم يخاطبهم بمقدار حدودهم فقد بخسهم حقهم، ولم يقض بحق الله تعالى فيهم، ثم إن المراد بالجوهر في قول سيدنا عيسى عليه السلام علم الباطن.

وقد أخرج الخطيب في تاريخه من طريق يحيى بن عقبة بن أبي الغرار عن محمد بن جحادة عن أنس رفعه: لا تعلقوا الدر في أعناق الخنازير، وفي لفظ: لا تطرحوا الدر في أفواه الكلام، يعني العلم ويحيى ضعيف، وله متابع عند الخليلي في الإرشاد، من طريق شعبة العياب عن محمد بن جحادة عن أنس ولفظه: لا تطرحوا الدر في أفواه الخنازير يعني العلم وعند ابن ماجه وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر، والدر والذهب ( ولهذا قيل) ونص القوت وكان يحيى بن معاذ يقول: اغرف لكل واحد من نهرك واسقه بكأسه ونحن نقول بمعناه ( كل لكل عبد بمعيار عقله وزن له بميزان علمه) وفي بعض النسخ بميزان فهمه ( حتى تسلم منه وينتفع بك وإلا وقع الإنكار لتفاوت المعيار) هذا كله نص القوت، وعلم بذلك أن المراد بهذا القائل هو صاحب القوت; لأنه قال: ونحن نقول بمعناه أي معنى قول يحيى بن معاذ الرازي أحد العارفين الأكابر وإليه يشير قول الحريري صاحب المقامات:

وكلت للخل كما كال لي على وفاء الكيل أو بخسه     ولم أخسره وشر الورى
من يومه أخسو من أمسه

وفي القوت ( سئل بعض العلماء عن شيء فلم يجب) عنه ( فقال السائل: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه قال) أي: أما بلغك قوله: ( من كتم علما نافعا جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار فقال) في جوابه: ( اترك اللجام واذهب فإن جاء من يفقهه) وفي نسخة يفهمه ثم سألني ( وكتمته فليلجمني) فإن إيداع الأسرار لا يكون إلا لمن تلقن بفهم ثم انتفع به ( فقد قال الله عز وجل) في كتابه العزيز: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما والسفيه من لا يعرف رشده فلا يمكن بالأموال فإنه يتصرف فيها بالتبذير وسوء التدبير فإذا كانت الأموال وهي عوار ظاهرة منعت عن تمكن السفهاء فيها، فالعلوم الإلهية التي من عمل الباطن بطريق الأولى ومن هنا ظهر أن السائل إنما سأله عن دقيقة من دقائق الحقيقة، ولما لم يجده أهلا لتحملها قال: ما قال ثم رأيت هذا الفصل برمته في كتاب الذريعة للراغب الأصبهاني، وفيه فوائد زوائد والمصنف إنما انتزعه من كتاب القوت ولا بأس أن نلم بكلام الذريعة فإن سياقه أتم من سياق القوت، قال واجب على الحكيم والعالم النحرير أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما قال: إنا معاشر الأنبياء فذكر الحديث وأن يتصور ما قاله علي للكميل بن زياد وأومأ بيده إلى صدره فذكره وروى هو عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أحد يحدث قوما إلخ، وقال عيسى عليه السلام: لا تضعوا الحكمة إلخ، وقيل: تصفح طلاب علمك كما تتصفح طلاب حرمك وبهذا ألم أبو تمام:


وما أنا بالغيران من دون جارتي     إذا أنا لم أصبح غيورا على العلم

وقيل لبعض الحكماء: ما بالك لا تطلع كل أحد على حكمة يطلبها منك؟ فقال: اقتداء بالباري عز وجل [ ص: 345 ] حيث قال: ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم الآية، فبين أنه منعهم لما لم يكن فيهم خير وبين أن في إسماعهم ذلك مفسدة لهم وسأل جاهل حكيما مسألة من الحقائق فأعرض عنه، ولم يجبه فقال: أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم: من كتم علما إلخ فقال: نعم سمعته اترك اللجام هنا واذهب فإذا جاء من ينفعه ذلك وكتمته فليلجمني به، وقال بعض الحكماء في قوله عز وجل: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم الآية إنه نبه به على هذا المعنى وذلك أنه لما منعنا عن تمكين السفيه من المال الذي هو عارض حاضر يأكل منه البر والفاجر تعاديا أنه ربما يؤديه إلى الهلاك الدنيوي فكان يمنع من تمكينه من حقائق العلوم الذي إذا تناوله السفيه أداه إلى ضلال وإضلال وهلاك وإهلاك أولى فإنه:

إذا ما اقتنى العلم ذو شره     تضاعف ما ذم من مخبره
وصادف من علمه قوة     يصول بها الشر من جوهره

وكما أنه واجب على الحكام إذا وجدوا من السفهاء رشدا أن يدفعوا إليهم أموالهم فواجب على الحكماء إذا وجدوا من المسترشدين قبولا أن يدفعوا إليهم العلوم بقدر استحقاقهم فالعلم قنية يتوصل بها إلى الحياة الأخروية، كما أن المال قنية في المعاونة على الحياة الدنيوية اهـ .

والحديث قال العراقي: أخرجه ابن ماجه من حديث أبي سعيد فلفظه عند السيوطي في الجامع الكبير: من كتم علما مما ينفع الله به الناس في أمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار، وأما حديث أبي هريرة الذي تقدم فلفظه: من علم علما فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان، والحاكم وصححه وقال الترمذي: حديث حسن وقد تقدم الكلام عليه في أول الكتاب، وقد أخرجه أيضا ابن النجار في تاريخه عن عبد الله بن عمرو بهذا اللفظ والإسناد مصريون، وفي الباب عن جابر وابن مسعود وابن عباس وأنس تقدم بيان ألفاظهم في أول الكتاب عند ذكر حديث أبي هريرة فليراجع وفي لفظ ابن مسعود: من كتم علما عن أهله وتنكير علم في حيز الشرط يوهم شمول العلوم لكل علم حتى غير الشرعي، وفي رواية ابن ماجه تقييده بنافع وخصه بعضهم بالشرعي والمراد به ما أخذ من الشرع أو توقف هو عليه توقف وجود أو كمال والحديث نص في تحريم الكتم وخصه آخرون بما يلزمه تعليمه وتعين عليه ( فنبه على أن حفظ العلم) وصيانته ( ممن يفسده) أي: يفسد حاله ( ويضره) لعدم استئهاله له ( أولى) بل واجب دل على ذلك قوله في بعض الروايات المتقدمة عن أهله ( وليس الظلم في إعطاء غير المستحق بأولى) وفي بعض النسخ بأقل ( من الظلم في منع المستحق) ولله در القائل:


فمن منح الجهال علما أضاعه     ومن منع المستوجبين فقد ظلم

قال المناوي: وجعل بعضهم حبس كتب العلم من صور الكتم سيما إن عزت نسخة وأخرج البيهقي عن الزهري: إياك وغلول الكتب قيل: وما غلولها؟ قال حبسها اهـ .

وأخرج أبو نعيم في الحلية من رواية حماد بن عبد الله قال: سمعت الشعبي يقول: لا تمنعوا العلم أهله فتأثموا ولا تحدثوا غير أهله فتأثموا.

التالي السابق


الخدمات العلمية